يكون ناشئًا عن بادرة غضب من زوجة أو ولد، كمن يحلف بالله أو بالطلاق أن لا يأكل من هذا الطعام أو نحوه من المباحات، أو يقول: إن فعل كذا .. فهو بريء من الإِسلام أو من الله ورسوله أو نحو ذلك، وكل هذا منهي عنه شرعًا، ولا يحرم على أحد شيء منها يحرمه على نفسه بهذه الأقوال، ولا كفارة في يمين يحلفه الحالف في نحو ذلك عند الشافعي.
وتحريم الطيبات والزينة وتعذيب النفس هو من العبادات المأثورة عند قدماء اليهود واليونان، قلَّدهم فيها أهل الكتاب خصوصًا النصارى، فإنهم قد شددوا على أنفسهم، وحرَّموا عليها ما لم تحرمه الكتب المقدسة على ما فيها من الشدة والصرامة والمبالغة في الزهد، ولما جاء الإِسلام وأرسل الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خير خاتم النبيين بما فيه السعادة التامة للبشر في دنياهم وآخرتهم .. أباح للبشر على لسانه الزينة والطيبات، وأرشدهم إلى إعطاء البدن حقه، والروح حقها، فالإنسان ما هو إلا روح وجسد، فيجب العدل بينهما، وبذا كانت الأمة الإِسلامية أمة وسطًا تشهد على جميع الأمم، وتكون حجة عليها يوم القيامة.
والحكمة في ذلك النهي: أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يستعمل عباده نعمه فيما خلقت لأجله، ويشكروه على ذلك، ويكره لهم أن يجنوا على الشريعة التي شرعها لهم، فيغلوا فيها بتحريم ما لم يحرمه، كما يكره لهم أن يفرطوا فيها بإباحة ما حرمه، أو ترك ما فرضه، وقد أشار إلى ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} وورد في الأثر: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".
88 - {وَكُلُوا} أيها المؤمنون {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} تعالى وأعطاكم حالة كونه {حَلَالًا} في نفسه لا من المحرمات، كالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ونحو ذلك، وحالة كونه {طَيِّبًا} في كسبه وتناوله؛ بأن لا يكون رِبًا ولا سحتًا ولا سرقة ولا غصبًا مثلًا، مع كونه مستلذًا غير مستقذرٍ لذاته أو لطارئ يطرأ عليه من فساد أو تغير لطول مكث ونحوه. والأكل في الآية يراد به التمتع الشامل للشرب ونحوه، وإنما خص الأكل بالذكر؛ لأنه أغلب الانتفاع بالرزق من حلال غير