المناسبة
قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (?) لما حاج أهل الكتاب، وذكر من مخازيهم أنهم اتخذوا الدين الإِسلامي هزوًا ولعبًا، وأن اليهود منهم قالوا: يد الله مغلولة، وأنهم قتلوا رسلهم تارة، وكذبوهم أخرى، وأن النصارى منهم اعتقدوا عقائد زائفة، فمنهم من قال: المسيح ابن الله، ومنهم من قال: إن الله ثالث ثلاثة، وقد عابهم على ذلك، وكرَّ عليهم بالحجة إثر الحجة لتنفيذ ما كانوا يعتقدون .. ذكر هنا أحوالهم في عداوتهم للمؤمنين، ومحبتهم لهم، ومقدار تلك المحبة والعداوة، وبين حال المشركين مع المؤمنين بالتبع.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ...} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما (?) مدح النصارى بأنهم أقرب الناس مودة للمؤمنين، وذكر من أسباب ذلك أن منهم قسيسين ورهبانًا .. ظن المؤمنون أن في هذا ترغيبًا في الرهبانية، وظن الميالون للتقشف والزهد أنها منزلة تقربهم إلى الله، ولن تتحقق إلا بترك التمتع بالطيبات من الطعام واللباس والنساء، إما دائمًا كامتناع من الزواج، وإما في أوقات معينة، كأنواع الصيام التي ابتدعوها، فأزال الله هذا الظن، وقطع عرق هذا الوهم بذلك النهي الصريح.
وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها هي (?): أنه تعالى لما مدح النصارى بأن منهم قسيسين ورهبانًا، وعادتهم الاحتراز عن طيبات الدنيا ومستلذاتها وأوهم ذلك ترغيب المسلمين في مثل ذلك التقشف والتبتل .. بيّن تعالى أن الإِسلام لا رهبانية فيه.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا أنا فأقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، وأنال الطيب، فمَن رغب عن سنتي فليس مني" وأكل - صلى الله عليه وسلم - الدجاج والفالوذج،