تعجبه من أحوالهم؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء النصارى وأمثالهم، ممن عبدوا غير الله تعالى: أتعبدون من دون الله؛ أي: متجاوزين عبادته وحده {مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا} تخشونه أن يعاقبكم به إذا أنتم تركتم؛ أي: ما لا يقدر أن يضركم إن تركتم عبادته {وَلَا} يملك لكم {نَفْعًا} ترجون أن يجازيكم به إذا عبدتموه؛ أي: وما لا يقدر أنْ ينفعكم إنْ عبدتموه، وهو عيسى عليه السلام، يعني (?): لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم الله به من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال، ولا يقدر أنْ ينفعكم بمثل ما ينفعكم الله به، من صحة الأبدان، وسعة الأرزاق، فإنَّ الضار والنافع هو الله تعالى، لا من تعبدون من دونه، ومن لا يقدر على النفع والضر لا يكون إلهًا، وما (?) يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبتخليقه تعالى، فكأنه لا يملك منه شيئًا. وهذا دليل قاطع على أن أمره مناف للربوبية، حيث جعله لا يستطيع ضرًّا ولا نفعًا، وصفة الرب أن يكون قادرًا على كل شيء، لا يخرج مقدور عن قدرته، وفي هذا إيماء (?) إلى دحض مقالتهم بالحجة والدليل، فإن اليهود - وقد كانوا يعادون المسيح ويقصدونه بالسوء - لم يقدر على الإضرار بهم، وأنصاره وصحابته مع شديد محبتهم له لم يستطع إيصال نفع من منافع الدنيا إليهم، والعاجز عن الضر والنفع كيف يعقل أن يكون إلهًا؟. وإنَّما قال: (ما)، ولم يقل: (من) نظرًا إلى ما هو عليه في ذاته من النوع الإنساني، توطئة لنفي القدرة عنه رأسًا، وتنبيهًا على أنَّه من هذا الجنس، ومن كان له حقيقة يقبل المجانسة والمشاركة فبمعزلٍ عن الألوهية. وقيل: عبر بـ (ما) تنبيهًا على أول أحواله، إذ مرت عليه أزمان حالة الحمل لا يوصف بالعقل فيها، ومن هذه صفته فكيف يكون إلهًا. وإنَّما قدم التفسير .. لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالكم وكفركم ومقالتكم في عيسى {الْعَلِيمُ} بضمائركم وعقيدتكم في عيسى فيجازيكم عليها، ولا يخفى ما في هذه الجملة من التهديد، وهي (?) متعلقة بـ {أَتَعْبُدُونَ}؛ أي: أتشركون بالله ولا تخشونه، وهو الذي يسمع ما تقولونه، ويعلم ما تعتقدونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015