[172]

وهو يتصرف فيهم كما يشاء. {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}؛ أي: كفى به حافظًا ووكيلًا، إذا وكلوا أمورهم إليه، تأكل الخلائق أمورهم إليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، فهو تعالى غني عن الولد، فإن الولد إنما يحتاج إليه أبوه ليعينه في حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل ذلك. وفي "الفتوحات" قوله: {وكفى به وكيلًا}؛ أي: مستقلًا بتدبير خلقه، فلا حاجة له إلى ولد يعينه انتهى.

172 - {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}؛ أي: لن يأنف، ولن يتكبر، ولن يرتفع المسيح بن مريم عن أن يكون عبدًا لله تعالى؛ أي: مقرًّا بالعبودية لله، مستمرًا على عبادته وطاعته؛ لعلمه بعظمة الله تعالى وما يجب له من العبودية والشكر، وروي أن وفد نجران قالوا: يا محمَّد، إنك تعيب صاحبنا، فتقول: إنه عبد لله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليس بعار على عيسى أن يكون عبدًا لله" قالوا: بلى، فنزلت: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}.

وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه {عبيدًا لله} بصيغة التصغير {وَلَا} يستنكف {الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} عند الله تعالى، كجبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش؛ أي: لن يترفعوا عن أن يكونوا عبادًا لله تعالى، وذكر الملائكة استطراد؛ لأنه لما ذكر شأن عيسى عليه السلام للرد على النصارى .. ذكر الملائكة للرد على المشركين القائلين بأن الملائكة بنات الله، ومحله في سورة الزخرف عند قوله: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)} إلخ. {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ} ويترفع {عَنْ عِبَادَتِهِ} وطاعته تعالى أنفة وكبرًا، فيرى أنه لا يليق به ذلك {وَيَسْتَكْبِرْ} عن الإيمان به والخضوع والتذلل له {فَسـ} ـيجزيه أقبح الجزاء وأشد العذاب في الآخرة، إذ {يحشرهم إليه جميعًا}؛ أي: إذ يحشر الناس إليه جميعًا للجزاء، المستنكفين منهم والمستكبرين وغيرهم في صعيد واحد، فيحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم، إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015