جاز دخولما {بَيْن} على {أحدٍ}؛ لأنه عام في الواحد المذكَّر والمؤنَّث وتثنيتهما وجمعهما {أُوْلَئِكَ} المذكورون من المؤمنين بالله وبجميع الرسل {سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ} الله تعالى؛ أي: سوف يعطيهم الله سبحانه وتعالى في الآخرة أجورهم الوافرة وثوابهم الكامل على الإيمان بالله وبرسله.
وقرأ عاصم في رواية حفص (?) {يُؤْتِيهِمْ} بالياء؛ ليعود الضمير على اسم الله قبله. وقرأ الباقون، {نؤتيهم} بالنون على الالتفات، ومقابله: وأعتدنا والقراءتان متواترتان، فلا أولوية لإحداهما على الأخرى، خلافًا لمن توهمه. {وَكاَنَ اَللهُ} سبحانه تعالى {غَفُورًا} لهفوات من صح إيمانه ولم يشرك بربِّه أحدًا، ولم يفرِّق بين أحد من رسله {رحِيمًا} به، يعامله بالإحسان ويضاعف حسناته ويزيد على ما وعد تفضلًا منه ورحمة.
والخلاصة: والذين آمنوا بالله وجميع الرسل وعملوا بشريعة آخرهم علمًا منهم بأن جميعهم مرسل من عند الله تعالى، وما مثلهم إلا مثل ولاة يرسلهم السلطان إلى البلاد، ومثل الكتب التي جاؤوا بها مثل القوانين التي يصدر السلطان مراسيم للعمل بها, فكل وال منهم إنما ينافذ أوامر السلطان، وكل قانون يعمل به؛ لأنه منه، وكل قانون جديد ينسخ ما قبله ويمنع العمل به، وأولئك يؤتينهم الله أجورَهم بحسب حالهم في العمل؛ لأنهم وقد صح إيمانهم به وبرسله يهديهم إلى العمل الصالح؛ إذ هو الأثر اللازم لذلك الإيمان الصحيح.
ولم يقل في هؤلاء أنهم هم المؤمنون حقًّا كما في {أُوْلَئِكَ هُمُ اَلْكَافِرُونَ حَقًا} لئلا يدور بخلد أحد أن كمال الإيمان يوجد بدون العمل الصالح، فيغتر بذلك ويترك العمل النافع، وهذا مما يتلاءم مع نصوص الدين، فقد وصف الله تعالى المؤمنين حقًّا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}.