واستعبدوهم بالأعمال الشاقة، كما استعبدت الفراعنة بني إسرائيل، كما هو مشاهد في شرقي أفريقيا في الشعوب الأرميا وأشباهها.
142 - {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} هذا كلام مستأنف (?)، يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم، ومعنى مخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطال الكفر، ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه، وذلك أنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإِسلام في الدنيا، فعصم به أموالهم ودماءهم، وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة، فجازاهم على خداعهم بالدرك الأسفل؛ أي: إن المنافقين يخادعون رسول الله، فيظهرون له الإيمان ليدفعوا عنهم أحكام الإِسلام الدنيوية من قتلهم، ويبطنون الكفر، ونسب ذلك إلى الله من جهة أن معاملة الرسول بذلك كمعاملة الله به، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} وفي جعل ذلك خداعًا لله تنبيه إلى شيئين: فظاعة فعلهم فيما تحروه من الخديعة، إذ هم بمخادعتهم للرسول إنما يخادعون الله، وعظم شأن المقصود بالخداع وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن معاملته بذلك كمعاملة الله به. وسمي المنافق منافقًا أخذًا من: نافقاء اليربوع، وهو جحره، فإنه يجعل له بابين يدخل من أحدهما، ويخرج من الآخر، فكذلك المنافق يدخل مع المؤمنين بقوله: أنا مؤمن، ويدخل مع الكفار بقوله: أنا كافر، وجحر اليربوع يسمى: النافقاء والسامياء والدامياء، فالسامياء: هو الجحر الذي تلد فيه الأنثى، والدامياء: هو الذي يكون فيه الذكر، والنافقاء: هو الذي يكونان فيه "كرخي" اهـ.
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَادِعُهُمْ}؛ أي: مجازيهم على خداعهم، وسمي ذلك مخادعة مشاكلة للفظ الأول، ونظيره: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} وإنما جعل كذلك؛ لأنه قد استعمل في المعاني المذمومة التي تتضمن الكذب، أو تدل على ضعف صاحبها وعجزه غالبًا.