ابن جرير من طرق عن الحسن، وفي بعضها أن رجلًا من الأنصار لطم امرأته، فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما القصاص فنزلت: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}، ونزلت: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.
وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول الله إنه ضربني، فأثر في وجهي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس له ذلك" فأنزل الله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...} الآية، فهذه شواهد يقوي بعضها بعضًا.
التفسير وأوجه القراءة
32 - {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}؛ أي: لا تغتبطوا أيها المؤمنون كون ما فضل الله وخص به بعضكم، ورفعه به على بعض آخر من الأمور الدنيوية أو الدينية، كالجاه والمال والعلم والطاعة لأنفسكم، ولا تنافسوا فيه؛ لأن ذلك (?) التفضيل قسمة من الله، صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد، وبما ينبغي لكل من بسط في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد أن يرضى بما قُسم له، ولا يحسد أخاه على حظه، فالحسد أن يتمنى أن يكون ذلك الشيء له ويزول عن صاحبه، والغبطة أن يتمنى مثلما لغيره، وهو مرخص فيه، والأول منهي عنه.
والتمني (?): هو التعلق بحصول أمر في المستقبل عكس التلهف؛ لأنه التعلق بحصول أمر في الماضي، فإن تعلق بانتقال ما لغيره له، أو لغيره مع زواله عنه، فهو حسد مذموم، وهو المعني بقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وفي ذلك قال الإِمام أحمد بن حنبل:
ألاَ قُلْ لِمَنْ بَاتَ لِيْ حَاسِدَا ... أَتَدْرِيْ عَلَى مَنْ أَسَأتَ الأدَبْ