{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سبحانه وتعالى كان بكم رحيمًا حيث نهاكم عن كل ما تستوجبون به مشقة؛ أي: إنه سبحانه وتعالى بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل وعن قتلكم أنفسكم كان رحيمًا بكم؛ إذ حفظ دماءكم كما حفظ أموالكم، التي عليها قوام المصالح، واستمرار المنافع، وعلمكم أن تتراحموا وتتوادوا، ويكون كل منكم عونًا للآخر، يحافظ على ماله، ويدافع عن نفسه إذا جد الجد، ودعت الحاجة إلى الدفاع عنه.
30 - {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} المنهي المذكور من أكل الأموال بالباطل، وقتل الأنفس، أو سائر المحرمات المذكورة من أول السورة إلى هنا، {عُدْوَانًا}؛ أي: تعديًا (?) وعمدًا لا خطأً، {وَظُلْمًا}؛ أي: بغير حق لا قصاصًا، أو المعنى {عُدْوَانًا}؛ أي: (?) تعديًا على الغير، {وَظُلْمًا}؛ أي: لنفسه بتعريضها للعقاب، لا جهلًا ونسيانًا وسفهًا، وقال المراغي (?): العدوان هو التعدي على الحق، وهو يتعلق بالقصد، بأن يتعمد الفاعل الفعل، وهو عالم أنه قد تعدى الحق وجاوزه إلى الباطل، والظلم يتعلق بالفعل نفسه، بأن لا يتحرى الفاعل عمل ما يحل فيفعل ما لا يحل، والوعيد مقرون بالأمرين معًا، فلا بد من قصد الفاعل العدوان، وأن يكون فعله ظلمًا لاحقًا، فإذا وجد أحدهما دون الآخر .. لم يستحق الفاعل هذا التهديد الشديد، فإذا قتل الإنسان رجلًا كان قد قتل أباه أو ابنه .. فهنا قد وجد العدوان ولم يوجد الظلم، وإذا سلب امرؤ مال آخر ظانًّا أنه ماله الذي كان قد سرقه أو اغتصبه، ثم تبين أن المال ليس ماله، وأن هذا الرجل لم يكن هو الذي أخذ ماله .. فها هنا قد وجد الظلم دون العدوان، وقرىء {عِدوانًا} بالكسر، {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}؛ أي: فسوف ندخله في الآخرة نارًا هائلة شديدة العذاب، يصلى فيها، عقوبة له على جريمته ومدلول (?) {نَارًا} مطلق، والمراد - والله أعلم - تقييدها بوصف الشدة، أو ما يناسب هذا الجرم العظيم من أكل المال بالباطل وقتل الأنفس.