فجعلها بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال: لما نزلت هذه الآية .. جاء زيد بن حارثة بفرس يقال لها: (سبل) لم يكن له مال أحب إليه منها، فقال: هي صدقة، فقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحمل عليها ابنه أسامة فكأن زيدًا وَجِدَ - حزن - في نفسه، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك منه قال: "أما إن الله قد قبلها".
فهذا الأثر وما قبله دلائل واضحات على حسن السياسة الدينية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة ما يختلج في القلوب، فقد رأى أن أبا طلحة وزيدًا قد خرجا عن أحب أموالهما إليهما بعاطفة الدين، فجعل ذلك في الأقربين، ليثبت قلوبهما، ويكمل إيمانهما، ولا يجعل للشيطان سبيلًا ينفذ به إلى ما بين الجوخ (?) فيندمان إذا هما رأيا أموالهما في أيدى الغرباء، إذ كثيرًا ما يفارق المرء شيئًا محبوبًا لديه باختياره لعاطفة الدين، أو للجود به على غيره، ثم لم يلبث إلا قليلًا حتى يعاوده الحنين إليه، ومن ثم كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: يأمر عمال الصدقة بإبقاء كرائم الأموال والبعد عنها حين جباية الصدقات.
وهناك من الشواهد ما يدل على هذا أيضًا، فقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: حضرتني هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} الآية، فذكرت ما أعطاني الله تعالى، فلم أجد أحب، إلي من مرجانة - جارية رومية - فقلت: هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله تعالى .. لنكتحها فأنكحتها نافعًا (مولى له كان يحبه كأحد أولاده).
فتأمل وانظر تر أن نفسه قد راودته بعد عتقها على أن يستبقيها له، ولا يفارقها، لولا أن كان مما عود نفسه عليه .. ألا يرجع في شيء جعله لله، ومع ذلك جعلها لأحب الناس إليه، وهو مولاه. وعلى الجملة فآثار السلف في