التوراة والإنجيل، فلمَّا ظهر على نعوت وأحوال مطابقة لما كان مذكورًا في تلك الكتب .. كان نفس مجيئه تصديقًا لما كان معهم.
وصفوة القول: إنكم يا أهل الكتاب ملزمون باتباع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، والتصديق بشريعته، بمقتضى الميثاق الذي أخذ على كل من موسى وعيسى عليه السلام، أنَّه إذا جاء نبي بعده، وصدق بما معه، يؤمن به، وينصره.
وإيمانكم بموسى أو عيسى عليه السلام يقتضي التصديق بكل ما يؤمن به كل منهما.
{قَالَ} الله سبحانه وتعالى للنبيين {أَأَقْرَرْتُمْ} بتحقيق الهمزتين، مع إدخال ألف بينهما وتركه، وبتسهيل الثانية مع إدخال ألف بينهما، وبين الأولى المحققة وتركه، وبإبدال الثانية ألفًا ممدودة، فالقراءات خمسٌ كما في "الخطيب"؛ أي: هل اعترفتم بالإيمان به والنصرة له {وَأَخَذْتُم}؛ أي: قبلتم {عَلَى ذَلِكُمْ} المذكور من الإيمان به والنصر له {إِصْرِي}؛ أي: عهدي، وسمي العهد إصرًا؛ لأنَّه مما يؤصر؛ أي: يشد ويعقد والإصر في الأصل الحمل الثقيل، وقرىء شاذًا بضم الهمزة (أُصري) وهي مروية عن أبي بكر، عن عاصم شذوذًا، ويحتمل أن يكون لغة فيه، ويحتمل أن يكون جمعًا لأصار، كإزار وأزر {قَالُوا}؛ أي: قال النبيون جوابًا للرب جل جلاله {أَقْرَرْنَا}؛ أي: اعترفنا بذلك العهد وقبلناه، {قَالَ} الله تعالى للنبيين {فَاشْهَدُوا}؛ أي: على أنفسكم وعلى أتباعكم؛ أي: فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار، وقبول العهد {وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}؛ أي: وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم بعضًا، من الشاهدين معكم، لا يعزب عن علمي شيء.
وهذا الحوار لتثبيت المعنى وتوكيده، على طريق التمثيل، وليست الآية نصًّا في أنَّ هذه المحاورة وقعت، وهذه الأقوال قيلت، وله نظائر كثيرة في الأساليب العربية.
82 - {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: فمن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول ونصرته