زائدتان في النسب دلالة على المبالغة، كما قالوا: رقباني وشعراني ولحياني، للغليظ الرقبة، والكثير الشعر، والطويل اللحية، ولا تفرد هذه الزيادة عن النسب، أمَّا إذا نسبوا إلى الرقبة والشعر واللحية من غير مبالغة قالوا: رقبي وشعري ولحوي، هذا معنى كلام سيبويه، وإمَّا منسوب إلى الربان، والربان هو المعلم للخير، ومن يسوس الناس ويعرفهم أمر دينهم، فالألف والنون دالان على زيادة الوصف، كهي في عطشان وريان وجوعان، وتكون النسبة على هذا للمبالغة في الوصف كما قالوا: أحمري، في أحمر، وكلا القولين شاذ لا يقاس عليه.
واختلف في معناه فقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلوم وكبارها، وقيل: هو العالم الذي يعمل بعلمه، وقيل هو العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، وقيل: هو الذي جمع بين علم البصيرة، والعلم بسياسة الناس.
ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمَّد ابن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الأمة، وقيل: الربانيون هم ولاة الأمر والعلماء، وهما الفريقان اللذان يطاعان، ومعنى الآية على هذا التأويل: لا أدعوكم إلى أنْ تكونوا عبادًا لي، ولكن أدعوكم إلى أنْ تكونوا ملوكًا، وعلماء، ومعلمين الناس الخير، ومواظبين على طاعة الله وعبادته، وقال أبو عبيدة: أحسب أن هذه الكلمة ليست عربية، وإنَّما هي عبرانية أو سريانية، وسواء كانت عربية أو عبرانية، فهي تدل على الذي علم وعمل بما علم، وعلَّم الناس طريق الخير {تَدْرُسُونَ} يقال: درس الكتاب يدرسه أدمن قراءته وكرره، ودرس المنزل، إذا عفا، وطلل دارس عاف.
البلاغة
وذكروا في هذه الآيات أنواعًا من البلاغة (?):
منها: الطباق في قوله: {بِقِنْطَارٍ} و {بِدِينَارٍ}: إذا أريد بهما معنى القليل والكثير وفي قوله: {يُؤَدِّهِ} و {لَا يُؤَدِّهِ}؛ لأن الأداء معناه الدفع وعدمه معناه المنع، وهما ضدان، وفي قوله: {بِالْكُفْرِ} و {مُسْلِمُونَ}.