وهو عبادة الله وَحْده لا شريك له، فلما أعرضوا .. أمر بأن يقول لهم: {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
ولما بين أيضًا أن من دأب أهل الكتاب أن يعرضوا عن الحق بعد ما تبين لهم، ولا يجدي معهم الدليل ولا البرهان، فدعوتهم إلى دين الإِسلام الذي كان عليه إبراهيم والأنبياء بعده، لا تجد منهم أذنًا صاغية، ولا قلوبًا واعية .. ذكر شأنًا آخر لهم، وهو أنهم كانوا أشد الناس حرصًا على إضلال المؤمنين، فلا يَدعون فرصة إلا انتهزوها بالتفنن في إلقاء الشبه في نفوس المؤمنين، وقد كان النزاع بالغًا أشده بين الفريقين، فإذا تمسكنا نحن وأنتم بها، وصدَّقناها .. كنا على السواء والاستقامة، وفي قراءةٍ شاذةٍ لابن مسعود: {إلى كلمة عدل بيننا وبينكم}.
ثم فسر الكلمة بقوله هي: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ}؛ أي تلك الكلمة: عدم عبادتنا سوى الله سبحانه وتعالى {وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}؛ أي: وعدم إشراكنا به سبحانه وتعالى شيئًا من المخلوقات في العبادة {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: وعدم اتخاذ وجعل بعض منا بعضًا آخرنا ربًّا ومعبودًا ومطاعًا من دون الله سبحانه وتعالى؛ أي لا يطع أحد منا أحدًا من الرؤساء في معصية الله، وفيما أحدثوا من التحريم والتحليل، ولا نقول عُزيرٌ ابنُ الله ولا المسيح ابن الله؛ لأنهما بشران مثلنا، ولا نطيع الأحبار والرهبان فيما أحلوا أو حرموا.
روي أنه لما نزلت هذه الآية .. قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما كانوا يحلون لكم، ويحرمون عليكم، فتأخذون بقولهم"؟ قال: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هو ذاك".
وتفسير الكلمة بهذه الجمل؛ لأن العرب تسمي كل قصة أو قصيدة لها أول وآخر: كلمة.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: فإن أعرضوا عن التوحيد، ورفضوا قبول تلك الكلمة العادلة، وأَبَو إلا الإصرار على الشرك .. {فَقُولُوا} أنتم؛ أيها النبي والمؤمنون