وهذا آخر ما بشرني الله سبحانه بانتهائه بعدما وفقني بابتدائه، فالحمد لله الذي عدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والشكر له على ما حبانا شكرًا يوافي ما أولانا، ويكافىء ما يزاد لنا، وأسأله أن يديم نفعه بين عباده، ويرد عنه جدل منكره وجاحده، ويطمس عنه عين كائده وحاسده، خصوصًا في هذا الزمان الذي بُدل نعيمه بؤسًا، وعُدَّ جيِّده منحوسًا، قد ملأ الحسد من أهله جميع الجسد، وقاهم الغرور بحبل من مسد، فما أحسن قول من قال:
إِنْ يَسْمَعُوْا سُبَّةَ طَارُوْا بِهَا فَرَحًا ... مِنِّي وَمَا سَمِعُوْا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوْا
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوْا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ ... وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوْءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوْا
أو من قال:
إِنْ يَعْلَمُوْا الْخَيْرَ أخْفَوْهُ وَإِنْ عَلِمُوْا ... شَرًا أَذَاعُوْا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوْا كَذَبُوْا
اللهم كما مننت علي بإكمال هذا التفسير المبارك، وأعنتني على تحصيله، وتفضلت علي بالفراغ منه بعد مدة مديدة، فامنن علي بقبوله، واجعله لي ذخيرة خير عندك بمنك وكرمك وجودك، وأجزل لي المثوبة بما لاقيته في جمعه وكتابته من التعب والنصب، وانفع به من تلقاه بالقبول، وقصد الانتفاع منه من عبادك، ليدوم لي الانتفاع به بعد موتي، فإن هذا هو المقصد المهم من تأليفه، واجعله خالصًا لوجهك الكريم، وتجاوز عني ما خطر لي من خواطر السوء مما يخالف الإخلاص، واغفر لي ما لا يطابق مرادك من معاني كتابك، فإني لم أقصد في جمع أبحاثي فيه إلا إصابة الحق وموافقة ما ترضاه فإن أخطأت فأنت غافر الخطيات، ومسبل ذيل الستر على الهفوات.
بِالذُّلِّ قَدْ وَافَيْتُ بَابَكَ عَالِمًا ... إِنَّ التَّذَلُّلَ عِنْدَ بَابِكَ يَنْفَعُ
اجعَلْ لِيَا مِنْ كُل خَطْأٍ مَخْرَجَا ... وَاسْمَحْهُ لِيْ يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمَفْزَعُ
مَا لِيْ سِوَى قَرْعِيْ لبَابِكَ حِيْلَةٌ ... وَلَئِنْ رُدِدْتُ فَأَيَّ بَابٍ أَقْرَعُ
والمرجو ممن صرف وجهه إليه بعين الرضا والرغبة لديه أن يصلح خطأه وسقطته، ويزيل زلَله وهفوته بعد المراجعة والتأمل والإمعان، لا بمجرد النظر والعِيان؛ لأن الإنسان مركز الجهل والخطأ والنسيان، ولاسيما حليف البله والبلاهة