قلوب (?) الناس والبشر إذا غفلوا بقلوبهم عن ذكر الله تعالى، ولو ذكروا بألسنتهم، ولذا قال في "التأويلات النجمية" في تفسير الناس؛ أي: الناسي عن ذكر الله بالقلب والروح والسر نظير قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} بحذف الياء. انتهى.
وذلك لأن الوسوسة حالة في القلب (?)، فلا يطردها إلا الذكر الحال في القطر، فمن كان من أهل الذكر فلا تسلط للشيطان عليه، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ولا يترك الإنسان الذكر اللساني إذا وجد الغفلة والوسواس في قلبه، بل يكثر الذكر ويديمه، فلعله يستيقظ قلبه ويتنور، قال بعض أهل المعرفة: الذكر اللساني كقدح الزناد، فإذا تكرر أصاب، قال بعضهم في ذلك:
اطْلُبْ وَلاَ تَضْجَرَنْ مِنْ مَطْلَبٍ ... فَآفَةُ الطَّالِبِ أنْ يَضْجَرَا
أَمَا تَرَى الْحَبْلَ لِتَكْرَارِهِ ... فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ قَدْ أَثَّرَا
ومحل الموصول الجر على الوصف (?)، أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو النصب على الذم، فيحسن الوقف عليه، ذكر سبحانه وتعالى وسوسته أولًا، ثم ذكر محلها؛ وهو صدور الناس، تأمل السر والحكمة في قوله: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} ولم يقل: في قلوب الناس، والصدر هو ساحة القلب وبيته، فمنه تدخل الواردات عليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب، فهو بمنزلة الدهليز، وهو بكسر أوله ما بين الباب والدار، ومن القلب تخرج الإرادت والأوامر إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود، فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته، فيُلقي ما يريد إلقاءه إلى القلب، فهو يوسوس في الصدور، ووسوسته واصلة إلى القلوب، وقال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه سلَّطه الله سبحانه على ذلك، ووسوسته هي الدعاء إلى طاعته بكلام خفي يصل إلى القلب من غير سماع صوت.
وقوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ} يدل على أنه لا يوسوس في صدور الجن، قال في "آكام المرجان": لم يرد دليل على أن الجني يوسوس في صدور الجني، ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي، ويجري منه مجراه من الإنسي. اهـ.