وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا، أو من الإنس ضد الوحشة؛ لأنه يونس به أو من النسيان؛ لكونه شأنه وطبعه، كما قال بعضهم:
وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلَّا لِنَسْيِهِ ... وَمَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ
يقول الفقير (?): ففي الالتجاء إلى الله في هذه السورة دلالة على ختم الأمر، فإن الله تعالى هو الأول الآخر، وإليه يرجع الأمر كله، وإن إلى ربك المنتهى، وفيه إشارة إلى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق، فإن الإنسان لو لم ينسه لما احتاج إلى العود والرجوع، بل كان في كنف الله تعالى دائمًا.
2 - {مَلِكِ النَّاسِ (2)}؛ أي: مالكهم ومدبر أمورهم، وواضع الشرائع والأحكام التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم، قرىء هنا بإسقاط الألف باتفاق القراء حذرًا من التكرار، فإن أحد معاني اسم الرب في اللسان المالك، ولا ترد الفاتحة، فإن الراجح فيها عند المحققين هو المَلِك بحذف الألف لا المالك اهـ "روح".
بخلاف الذي في الفاتحة، ففيه قراءتان سبعيتان ثبوت الألف وحذفها كما مر هنالك، ومعنى المَلِك: المتصرف فيهم بأنواع التصرفات من إعزاز وإذلال وإغناء وإفقار وغير ذلك، وهو (?) عطف بيان جيء به لبيان أن ربِّيَّته سبحانه ليست كربِّيَّة سائر المُلَّاك لما تحت أيديهم من مماليكهم، بل بطريق الملك الكامل، والتصرف الشامل، وما ذكروه (?) في ترجيح المالك على المَلِك من أن المالك مالك العبد، وأنه مطلق التصرف فيه، بخلاف الملك، فإنه إنما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد إلا في المخلوقين لا في الحق سبحانه، فإنه من البيِّن أنه مطلق التصرف، وأنه يملك من جميع الوجوه، فلا يقاس ملكية غيره عليه، ولا تضاف الصفات والأسماء إليه تعالى إلا من حيث أكمل مفهوماته.
3 - {إِلَهِ النَّاسِ (3)}؛ أي: معبودهم المستولي على قلوبهم بعظمته، وهم لا يحيطون بكنه سلطانه، بل يخضعون بما يحيط منها بنواحي قلوبهم، ولا يدرون من أي جانب يأتهم ولا كيف يسلط عليهم.