كل شر يعتري الإنسان، ووقوبه هجومه، ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات، ووقبه ضربه ولسعه، وفي "القاموس": الغاسق هو الذكر من الحيات إذا قام، وهو منقول عن ابن عباس - رضي الله عنه - وجماعة، والقول الأول أولى، والمعنى عليه؛ أي: ومن شر الليل إذا دخل وغمر كل شيء بظلامه، والليل إذا كان على تلك الحال كان مخوفًا باعثًا على الرهبة إلى أنه ستار يختفي في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى إلى أنه عون لأعدائك عليك.
2 - 4 {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ}؛ أي: ومن شر النساء أو النفوس السواحر اللاتي ينفثن وينفخن {فِي الْعُقَدِ}؛ أي: في عقد الوتر أو الحبال عند القراءة على تلك العقد؛ ليسحرن بها، جمع نفاثة بالتشديد، صيغة مبالغة يراد منها تكرار الفعل والاحتراف به من النفث، وهو شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه، فإن كان معه ريق فهو التفل، يقال منه نفث الراقي ينفُث - بالضم - وينفِث بالكسر إذا نفخ على المريض بعد القراءة عليه، والعُقَد جمع عقدة، وهي ما يعقده الساحر ويربطه ويمسكه على وتر - بفتحتين - القوس، أو حبل أو شعر، وهو ينفث عليه ويرقي، وأصله من العزيمة، ولذلك يقال: لها عزيمة، كما يقال: لها عقدة، ومنه قيل للساحر معقد.
والمعنى: وأعوذ بالله من شر النفوس، أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط، وينفثن في عقدة الخيط حين يرقين عليها، وتعريفها (?) إما للعهد، أو للإيذان بشمول الشر لجميع أفرادهن وتمحضهن فيه، وقيل: المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - وعائشة - رضي الله عنها - أنه كان غلام من اليهود يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عنده أسنان من مشطه - صلى الله عليه وسلم -، فأعطاها اليهود فسحروه - صلى الله عليه وسلم - فيها, ولذا ينبغي أن يقطع بعد التقليم، وكذا الشعر إذا أُسقط من اللحية، والرأس نصفين أو أكثر؛ لئلا يسحر به أحد، وتولاه لبيد بن الأعصم اليهودي وبناته وهن النفاثات في العقد، فدفنها في بئر أريس، وفي "عين المعاني": في بئر لبني زريق تسمى ذروان، فمرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، روي أنه لبث فيه ستة أشهر، فنزل جبريل بالمعوِّذتين - بكسر الواو - كما في