والثاني: أنه من القرش وهو الكسب، وكانت قريش تجارًا، يقال: قرش يقرش؛ أي: اكتسب.
والثالث: أنه من التقريش بمعنى التفتيش، يقال: قرش، يقرش عني؛ أي: فتش، وكانت قريش يفتشون على ذوي الخلاف من الحجاج وغيرهم ليسدوا خلتهم، قال الشاعر:
أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا ... عِنْدَ عَمْروِ وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ
وقيل: سموا بتصغير القرش، وهو دابة عظيمة في البحر، تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها، ولا تطاق إلا بالنار، فشبهوا بها؛ لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تُعلى، والتصغير للتعظيم، فكأنه قيل: قريش عظيم، فيكون وجه الشبه وصف الآكلية وعدم المأكولية، ووصف الغلبة وعدم المغلوبية.
قال الزمخشري: سمعت (?) بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بني شيبة يصف لي القرش، فقال: مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا إلى الكعبة، ومن شأنه أن يتعرض للسفن الكبار، فلا يرده شيء إلا أن يأخذ أهلها المشاعل، فيمر على وجهه كالبرق، وكل شيء عنده قليل إلا النار، وبه سميت قريش، قال الشاعر:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِيْ تَسْكُنُ الْبَحْـ ... ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالْسَّمِيْنَ وَلاَ تَتْـ ... ـرُكُ فِيْهِ لِذِيْ جَنَاحَيْنِ رِيْشَا
هَكَذَا في الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ... يَأَكُلُوْنَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيْشَا
وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيْهِمُ وَالْخُمُوْشَا
الخموش: الخدوش، وأكلًا كميشًا؛ أي: سريعًا، وأجمعوا (?) على صرفه هنا مرادًا به الحي، ولو أريد به القبيلة؛ لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، قال سيبويه في معد وثقيف وقريش وكنانة: هذه للأحياء أكثر، وإن جعلتها أسماء للقبائل فهو جائز حسن اهـ "سمين".
2 - وقوله: {إِيلَافِهِمْ} بدل من {إيلاف قريش} وقيل: إنه تأكيد له، والأول