إليه أبرهة وكنيته أبو يكسون، وكان رجلًا قصير الجثمان لحيمًا ذا دين في النصرانية، وخرج إليه أرياط وكان رجلًا طويلًا عظيمًا وفي يده حربة، وخلف أبرهة غلام يقال له: عتودة يمنع ظهره، فرفع أرياط الحربة، فضرب أبرهة يريد يافوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته؛ أي: شقت وقطعت وخدشت، فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة في اليمن بلا منازع، وكان ما صنع أبرهة من غير علم النجاشي، فلما بلغه ذلك غضب غضبًا شديدًا، فقال: عدا على أميري فقتله بغير أمري، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته، فلما بلغ هذا الخبر أبرهة حلق رأسه، وملأ جرابًا ترابًا من تراب اليمن، ثم بعث به إلى النجاشي مع هدايا جليلة كثيرة، وكتب إليه: أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك، وكل طاعة لك إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط له، وأسْوَس منه، وقد حلقت رأسي حين بلغني حلف الملك، وبعثت إليه بجراب من أرض ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه فيَّ، فلما وصل كتاب أبرهة إلى النجاشي لان ورضي عنه، وكتب إليه أن أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، فأقام أبرهة باليمن، ثم إنه رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله الحرام، فتحرك منه عرق الحسد، فبنى بصنعاء كنيسة من رخام ملون وجواهر مرصع؛ أي: مزين.
وفي "إنسان العيون": واجتهد في زخرفتها، فجعل فيها الرخام المجذع، والحجارة المنقوشة بالذهب، وكان ينقل ذلك من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام، وجعل فيها صلبانًا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والأبنوس، وسماها القُلَيْس - كجميز - لارتفاع بنائها وعلوها، ومنها القلانيس؛ لأنها في أعلى الرأس، وأراد أن يصرف إليها الحجاج، وكتب أبرهة إلى النجاشي: أيها الملك إني بنيت لك كنيسة لم يُبْنَ مثلها لملك قبلك، ولست أرضى حتى أصرف إليها حجاج العرب، فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من بني كنانة يقال له: مالك بن كنانة، فخرج لها ليلًا، فدخل إليها فقعد فيها, ولطخ بالعذرة قبتها، فبلغ ذلك أبرهة، فقال: من اجترأ علي؟ فقيل له: صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت قد سمع بالذي قلت، فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرن