يكون المعنى: كورق زرع أُكل حبه، فبقي صفرًا منه، فيكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أيضًا، شبههم بزرع أُكل حبه، في ذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم، أو كتبن أكلته الدواب وألقته روثًا فيبس وتفرقت أجزاؤه، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، وفيه تشويه لحالهم ومبالغة حسنة، وهو أنه لم يكتف بجعلهم أهون شيء في الزرع وهو التبن الذي لا يُجدي طائلًا، حتى جعلهم رجيعًا إلا أنه عبر عن الرجيع بالمأكول، أو أشير إليه بأول حاله على طريق الكناية مراعاةً لحسن الأدب، واستهجانًا لذكر الروث، كما كنى بالأكل في قوله تعالى: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} عما يلزم الأكل من التبول والتغوط لذلك، فدأب القرآن هو العدول عن الظاهر في مثل هذا المقام.

قال بعضهم: من كان اعتماده على غير الله أهلكه الله بأضعف خلقه، ألا ترى أصحاب الفيل لما اعتمدوا على الفيل من حيث أنه أقوى خلق الله تعالى بأضعف خلق من خلقه، وهو الطير.

وقرأ الجمهور (?): {مَأْكُولٍ} بسكون الهمزة وهو الأصل؛ لأنه صيغة مفعول من فعل، وقرأ أبو الدرداء فيما نقل ابن خالويه بفتح الهمزة إتباعًا لحركة الميم وهو شاذ، وهذا كما أتبعوا في قولهم: محموم بفتح الحاء لحركة الميم.

المعنى الإجمالي لهذه السورة: ذكَّر الله (?) سبحانه نبيه ومَن تبلغه رسالته بعمل عظيم دال على بالغ قدرته، وأن كل قدرة دونها فهي خاضعة لسلطانها، ذاك أن قومًا أرادوا أن يتعززوا بفيلهم ليبلغوا بعض عباده على أمرهم، ويصلوا إليهم بشر وأذى، فأهلكهم الله تعالى ورد كيدهم، وأبطل تدبيرهم بعد أن كانوا في ثقة بعددهم وعددهم، ولم يفدهم ذلك شيئًا.

قصص أصحاب الفيل كما رواه أرباب السير

حادث الفيل معروف متواتر لدى العرب، حتى إنهم جعلوه مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث، فيقولون: وُلد في عام الفيل، وحدث كذا لسنتين بعد عام الفيل، ونحو ذلك، وخلاصة ما أجمع عليه رواتهم كما سيأتي بسطه: أن قائدًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015