بذلك، ولا نبحث عن كون العمد من نار أو حديد، ولا في أنها تمتد طولًا أو عرضًا، ولا في أنها مشبهة بعمد الدنيا أم لا، بل نكل أمر ذلك إلى الله تعالى؛ لأن شؤون الآخرة غير شؤون الدنيا, ولم يأتنا خبر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبين ذلك، فالكلام فيه قول بلا علم وافتراء على الله بكذب.
وقرأ الأخوان (?) - حمزة والكسائي - وأبو بكر {في عُمُد} - بضمتين - جمع عمود كرسول ورسل، وقيل: جمع عماد نحو كتاب وكتب، وقرأ هارون عن أبي عمرو بضم العين وسكون الميم، وهو تخفيف لهذه القراءة، وقرأ الباقون: {عَمَد} بفتحتين، فقيل اسم جمع لعمود، وقيل: بل هو جمع له، وقال الفراء جمع عمود كأديم وأدم، وقال أبو عبيدة: جمع عماد، واختار أبو عبيدة وأبو حاتم قراءة الفتحتين، وقال الجوهري: العمود عمود البيت، وجمع القلة أعمدة، وجمع الكثرة: عَمَد وعُمُد، وقرىء بهما اهـ.
الإعراب
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}.
{وَيْلٌ}: مبتدأ، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء عليهم بالهلكة كما مر، وقيل: إنه معرفة؛ لأنه اسم واد في جهنم، ويجوز في غير القرآن نصبه على الدعاء، فيقال: ويلًا لكل همزة؛ أي: الزمه الله ويلًا، قال جرير:
كَسَا الُّلؤْمُ تَيْمًا خُضْرَةً فِيْ جُلُودِهَا ... فَوَيْلًا لِتَيْمٍ مِنْ سَرَابِيْلِهَا الخُضْرِ
بالنصب على الرواية الصحيحة {لِكُلِّ هُمَزَةٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ أي: ويل كائن لكل همزة، والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا {لُمَزَةٍ}: بدل من {هُمَزَةٍ}، وقيل: تأكيد لـ {هُمَزَةٍ} تأكيدًا لفظيًا بالمرادف {الَّذِي} بدل من كل بدل المعرفة من النكرة، أو منصوب على الذم بفعل محذوف، وأعربها ابن خالويه نعتًا {لِكُلِّ هُمَزَةٍ} وهو غير صواب، لكونه معرفة. {جَمَعَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود إلى الموصول. {مَالًا}: مفعول به، والجملة صلة الموصول. {وَعَدَّدَهُ}: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {جَمَعَ}.