لنبوة الزمان وجفوة السلطان، ونوائب الدهر، ومخافة الفقر، قال: إذن تدعه لمن لا يحمدك، وتَرِدُ على من لا يعذرك، وما أجاد قول الشاعر:
شَغَلَتْنَا الدُّنْيَا بِهَاكَ وَهَاتِ ... وَنَسِيْنَا مَصَارعَ الأَمْوَاتِ
نَحْنُ مَوْتَى وَإِنَّمَا بَيْنَ مَنْ يَمْـ ... ـضِيْ وَيَبْقَى تَفَاوُتُ الأَوْقَاتِ
فاحذروا أيها المسلمون أن تسقط ورقتكم من شجرة الحياة قبل أن تتوبوا إلى الله تعالى، وتتركوا ما حرم عليكم ربكم، فإن حياتكم والله معلقة بشجرة الحياة، فإذا هبت عليها ريح القدرة تمايلت وتساقطت، فلا تغتروا بالدنيا ولا تحقروا أحدًا من الناس ولا تهمزوا ولا تلمزوا، واحذروا وعبد الله، فإنه عَزَّ وَجَلَّ قد أوعد في هذه السورة مَن هذه صفاته بالويل والثبور والهلاك والنكال، فقال: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}،
5 - ثم أخذ يهول أمر هذه النار ويعظم شأنها، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)}، والاستفهام (?) فيه للتهويل والتعظيم والتفظيع، حتى كأنها ليست مما تُدركه العقول وتبلغه الأفهام؛ أي: وما أعلمك يا محمد جواب هذا الاستفهام؛ لأنها من الأمور التي تنالها عقول الخلق؛ أي: إن هذه الحطمة مما لا تحيط بها معرفتك على حقيقتها فلا يعلم شأنها، ولا يقف على كنهها إلا من أعدها لمن يستحقها،
6 - ثم فسر هذه الحطمة بعد إبهامها، فقال: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)}؛ أي: هي: نار الله الموقدة الملتهبة بأمر الله سبحانه وتعالى، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها، وكذلك في وصفها بالإيقاد، فما أوقد وأُشعل بأمره تعالى لا يقدر أن يُطفئه غيره تعالى، وفيه دلالة على أنها ليست كسائر النيران، وفي الحديث: "أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم ألف سنة حتى ابيضت، ثم ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة"، وعن علي - رضي الله عنه -: عجبًا بمن يعصي الله على وجه الأرض، والنار تُسعر من تحته.
أي: إنها (?) النار التي لا تُنسب إلا إليه سبحانه؛ إذ هو الذي أنشاها وأعدها لعقاب العصاة والمذنبين، وفي وصفها بالموقدة إيماء إلى أنها لا تُخمد أبدًا، بل