بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.
التفسير وأوجه القراءة
1 - {وَالْعَصْرِ (1)}؛ أي: أقسم بالعصر، أقسم سبحانه (?) بالعصر وهو الدهر؛ لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده، ويقال لليل: عصر، وللنهار: عصر، ومنه قول حميد بن ثور:
وَلَمْ يَنْتَهِ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَمَنَّيَا
ويقال للغداة والعشي عصران، ومنه قال الشاعر:
وَأمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِيْ ... وَيَرْضَى بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالأَنْفُ رَاغِمُ
وقال قتادة والحسن: المراد به في الآية: العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، ومنه قول الشاعر:
يَرُوْحُ بِنَا عَمْرٌ ووَقَدْ قَصُرَ الْعَصْرُ ... وَفِيْ الرَّوْحَةِ الأُوْلَى الْغَنِيْمَةُ وَالأَجْرُ
وقال ابن عباس: العصر هو الدهر والزمن، قيل: أقسم الله به لما فيه من العبر والعجائب للناظر، وفي "تفسير الرازي": أقسم (?) الله تعالى بالدهر لما فيه من الأعاجيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، ولأن بقية عمر المرء لا قيمة له، فلو ضيَّعتَ ألف سنة فيما لا يعني، ثم ثبتت السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر بقيتَ في الجنة آبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم، ولأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به سبحانه؛ لكونه نعمة خالصة لا عيب فيه إنما الخاسر والمعيب الإنسان.