بخلاف ما قالوه. وتبين حال المؤمنين، وما هم عليه من الطاعة والعبادة والجد والاجتهاد .. نزلوا إليهم ليسلموا عليهم ويعتذروا مما قالوه، ويستغفروا لهم لما يرون من تقصير قد يقع من بعضهم، وقوله: {وَالرُّوحُ} هو: جبريل عليه السلام، قاله أكثر المفسرين، وفي حديث أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عَزَّ وَجَلَّ" ذكره ابن الجوزي.
ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه، وقيل: إن الروح صنف من الملائكة هم أشرافهم لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقيل: إن الروح ملك عظيم ينزل مع الملائكة تلك الليلة، ومن عظمه أنه لو التقم السموات والأرضين كانت له لقمة واحدة، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وقرأ الجمهور (?): {تَنَزَّلُ} أصله: تتنزل بتاءين، وقرأ طلحة بن مصرف وابن سميفع بضمها على البناء للمفعول، وقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلق بـ {تَنَزَّلُ}، من بمحذوف هو حال من {الْمَلَائِكَةُ}؛ أي: تنزل الملائكة وتهبط في تلك الليلة كلهم، والروح، بإذن ربهم؛ أي: بأمره وإرادته، أو حال كونهم متلبسين بإذن ربهم وإرادته.
وهذا يدل (?) على أنهم كانوا يرغبون إلينا ويشتاقون، فيستأذنون فيؤذن لهم في النزول إلينا، فإن قيل: كيف يرغبون إلينا مع علمهم بكثرة ذنوبنا؟ .. قلنا: لا يقفون على تفصيل المعاصي. روي أنهم يطالعون اللوح المحفوظ، فيرون فيه طاعة المكلف مفصلة، فإذا وصلوا إلى معاصيه أُرخي الستر، فلا يرونه فحينئذ يقولون: سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح، من لأنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات أشياء ما رأوها في عالم السموات كإطعام الطعام وأنين العصاة، وفي الحديث القدسي: "لأنين المذنبين أحب إلى من زجل المسبحين" فيقولون: تعالوا نذهب إلى الأرض فنسمع صوتًا هو أحب إلى ربنا من صوت تسبيحنا، وكيف لا يكون أحب، وزجل المسبحين إظهار لكمال حال المطيعين، وأنين المذنبين إظهار