كان لا يقال له: عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر، فأعطوا ليلة إن أَحْيَوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد، وقيل: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمار الأمم كافة، فاستقصر أعمار أمته، فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، وجُعلت لنا خيرًا من ألف شهر لسائر الأمم. أخرجه مالك في "الموطأ" ممن يشق به من أهل العلم، وقيل غير ذلك.
والمعنى (?): أي هذه الليلة أعظم قدرًا وأكثر أجرًا من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر؛ لأن ليلة يسطع فيها نور الهدى، وتكون فاتحة التشريع الجديد الذي أنزل لخير البشر، ويكون فيها وضع الحجر الأساسي لهذا الدين الذي هو آخر الأديان الصالح لهم في كل زمان ومكان هي خير من ألف شهر من شهورهم التي كانوا يتخبطون فيها في ظلام الشرك وضلال الوثنية حيارى، لا يهتدون إلى غاية، ولا يقفون عند حد. والله تعالى يفضل ما شاء من زمان ومكان لمعنى من المعاني التي تدعو إلى التفضيل، وله الحكمة البالغة، وأي عظمة أعلى من عظمة ليلة يبتدىء فيها نزول هذا النور والهداية للناس بعد أن مضت على قومه - صلى الله عليه وسلم - حقب متتابعة، وهم في ضلال الوثنية؟ وأي شرف أرفع من شرف ليلة سطع فيها بدر المعارف الإلهية على قلب رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعباده يبشرهم وينذرهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويجعل منهم أمة تحرر الناس من استعباد القياصرة، وجبروت الأكاسرة، ويجمعهم بعد الفرقة، ويلم شعثهم بعد الشتات؟.
فحق على المسلمين أن يتخذوا هذه الليلة عيدًا لهم، إذ فيها بدأ نزول ذلك الدستور السماوي الذي وجّه المسلمين تلك الجهة الصالحة النافعة، ويجددوا العهد أمام ربهم بحياطته بأنفسهم وأموالهم شكرًا له على نعمه ورجاء مثوبته.
قال المفسرون: معنى هذه الآية (?): العمل الصالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى في تلك الليلة من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.
ومن المعلوم (?): أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة،