لمراعاة الفواصل، ولأن التحلية وهو التحدث بنعمة الله بعد التخلية، وهو {لا تقهر} و {لا تنهر}، وكرر أما؛ لوقوعها في مقابلة ثلاث آيات.
قال في "الكواشي": رأى بعض العلماء التحدث بنعمة الله من الطاعات، مع أمن الرياء، وغائلة النفس، وطلب الاقتداء به، وكرهه بعضهم خوف الفتنة، وفي "عين المعاني" أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "التحدث بالنعم شكر وتركه كفر"، وأما الحديث الآخر: "عليكم بكتمان النعم، فإن كل ذي نعمة محسود" يعني: عن الحسود لا غير، وفي "الأشباه":
(س) أي رجل ينبغي له إخفاء إخراج الزكاة عن بعض دون بعض؟.
(ج) فقيل: المريض إذا خاف من ورثته يخرجها سرًا عنهم.
(س) وأي رجل يُستحب له إخفاؤها؟.
(ج) فقيل: الخائف من الظلمة، لا يعلمون كثرة ماله. وقال ابن عطية في الآية: حدِّث به نفسك؛ أي: لا تنس فضله عليك قديمًا وحديثًا.
وخلاصة معنى قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}؛ أي: أوسع (?) في البذل على الفقراء بمالك، وأفض من نعمه الأخرى على طالبيها, وليس المراد مجرد ذكر الثروة والإفاضة في حديثها، فإن ذلك ليس من كرم الأخلاق في شىء.
وقد جرت عادة البخلاء أن يكتموا مالهم؛ لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل، ولا تجدهم إلا شاكِين من القل، أما الكرماء فلا يزالو يظهرون بالبذل مما آتاهم الله تعالى من فضله، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه، وقد استفاضت الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان كثير الإنفاق على الفقراء، وعظيم الرأفة بهم، واسع الإحسان إليهم، وكان يتصدق بكل ما يدخل في ملكه ويبيت طاويًا.
نبذة من الأحاديث المناسبة للآية
منها: ما روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أُعطي عطاء فليُجْزِ به إن وجد، فإن لم يجد فليثن عليه، فإن أثنى عليه فقد