[17]

الأسفل من النار، والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب، فجدير أن يعذب به، وقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فلو كان كل من لم يشرك لا يعذب .. لم يكن في قوله سبحانه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فائدة، وقال في "الكشاف": الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين، وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: {الْأَشْقَى}، وجُعل مختصًا بالصلي، كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل: {الْأَتْقَى} وجُعل مختصًا بالنجاة، كأن الجنة لم تُخلق إلا له، وقيل: المراد بالأشقى أبو جهل، من أمية بن خلف، وبالأتقى أبو بكر الصديق

17 - {وَسَيُجَنَّبُهَا}؛ أي: ويبعد (?) عن تلك النار بحيث لا يسمع حسيسها، والفاعل المُجَنَّب المبعد هو الله سبحانه وتعالى {الْأَتْقَى}؛ أي: المبالغ في الإتقاء عن الكفر والمعاصي، فلا يحوم حولها، فضلًا عن دخولها من صليها الأبدي، وأما مَن دونه ممن يتقي الكفر دون المعاصي؛ وهو المؤمن الشقي الفاسق الغير التائب، فلا يبعد عنها هذا التبعيد يصلاها، وإن لم يذق شدة حرها، كما ذاق الكافر؛ لكونه في الطبقة الفوقانية من طبقات النار، فلذلك لا يستلزم صليها بالمعنى المذكور، فلا يقدح في الحصر السابق. قال الواحدي: الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين انتهى، والأولى حمل الأشقى والأتقى عن كل متصف بالصفتين المذكورتين.

والحاصل (?): أن من تمسك من المرجئة بقوله: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)} زاعمًا أن الأشقى هو الكافر؛ لأنه الذي كذب وتولى، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين، فيقال له؛ فما تقول في قوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)} فإنه يدل على أنه لا يجنب عن النار إلا الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملًا فيها كعصاة المسلمين .. لم يكن ممن يجنب النار، فإن أولت التقوى بوجه من وجوه التأويل .. لزمك مثله في الأشقى، فخذ هذه إليك مع تلك، وكن كما قال الشاعر:

عَلَى أَنَّنِى رَاضٍ بِأَنْ أَحْمِلَ الْهَوَى ... وَأُخْرَجَ مِنْهُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَا

وقيل: أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي، كما قال طرفة بن العبد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015