أبدعته، والقدرة التي أنشاته، ثم ذكر صنفًا آخر من الأغنياء البخلاء المرائين بقوله: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)}؛ أي: إنهم إذا طُلب إليهم أن يعملوا عملًا من أعمال البر .. قالوا: إننا ننفق الكثير من أموالنا في المفاخر والمكارم، ولم يعلموا أن المكرمة ما عده الله مكرمة، والبر ما اعتبره الله سبحانه برًا، فليس من البر إنفاقهم المال في مشاقة الله ورسوله، ولا إنفاقهم الأموال في الصد عن سبيل الله، والكيد للذين آمنوا بالله ورسوله.
{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}؛ أي: أيظن ذلك المغتر بماله المدعي أنه أنفقه في سبيل الخير أن الله لم يطلع على أفعاله، ولم يعلم ما دعاه إلى الإنفاق، إنه لا ينبغي له أن يظن ذلك، فإن البارىء له مطلع على قرارة نفسه، عالم بخبيثات قلبه، لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، عليم بأنه لم يُنفق شيئًا من ماله في سبيل الخير المشروع والبر المحمود، وإنما أنفق ما أنفق للرياء والسمعة، أو لمشاقة الله ورسوله، أو في وجوه أخرى يظنها خيرًا؛ وهي خسران وضلال مبين.
8 - وبعد أن أنكر على هؤلاء اغترارهم بقوتهم وكثرة أموالهم .. شرع يذكر آثار قدرته الغالبة؛ ليبين لهم أن هناك قوة لها من الاثار ما هم يشاهدون، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)} فهو إذا أبصر شيئًا فإنما يكون ذلك بما خلقنا له من العينين، فهذه النعمة التي يعتز بها إنما هي من عملنا؛ أي: ألم (?) نخلق له عينين يبصر بهما عالَم الملك من الأرض إلى السماء حتى يشاهد بهما في طرفة عين النجوم العلوية التي بينه وبينها عدة الآف سنة، ويفرق بهما بين ما يضر وما ينفع، وبهما يحصل شرف النظر إلى وجه العالِم، وإلى المصحف وإلى الشواهد.
قال في "أسئلة الحكم": العين تحرس البدن من الآفاق، وهي نيرة كالمرآة إذا قابلها شيء ارتسمت صورته فيها مع صغر الناظر، وهو الحدقة التي هي شحمة، وجعل الله سبحانه العين سريعة الحركة، وجعل لها أجفانًا تسترها، وأهدابًا من الشعر كجناح الطائر تطرد بانضمامها وبانفتاحها الذباب والهوام عن العين، وجعل العين في الرأس؛ لأن السراج يوضع على رأس المنار، وجعلها ثنتين كالشمس والقمر، فإنهما عينا التعين الدنيوي، وجعل فوقهما حاجبين أسودين، لئلا يتضرر