أي: يتصدع، ومن ذلك قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}؛ أي: أن تسجد، وقيل: إن {لَا} لنفي القسم، والمعنى: لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه، وقال مجاهد: إن {لَا} رد على من أنكر البعث، ثم ابتدأ، فقال: {أُقْسِمُ} والمعنى عليه: ليس الأمر كما تحسبون، والأول أولى، وقال الواحدى: أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام مكة المكرمة، وقال الواسطي: إن المراد بالبلد المدينة المنورة، وهو مع كونه خلاف ما أجمع عليه المفسرون مدفوع يكون السورة مكية لا مدنية، وقرأ الجمهور: {لَا أُقْسِمُ} بـ {لا} النافية الزائدة، وقرأ الحسن والأعمش: {لأقسم} من غير ألف،
2 - وجملة قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)} حال (?) من المقسم به، و {لَا} خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، {حِلٌّ}؛ بمعنى حال من الحلول؛ وهو النزول؛ أي: والحال أنت يا محمد حالٌّ في مكة نازل بها، قيد إقسامه تعالى بمكة بحلوله - صلى الله عليه وسلم - فيها إظهارًا لمزيد فضلها، فإنها بعد أن كانت شريفة بنفسها .. زاد شرفها بحلول النبي العظيم الشريف، فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين، وما فيه شرف ذاتي يحصل له بشريف شرف زائد، ومحل قدمي النبي - صلى الله عليه وسلم -، كمكة والمدينة ينبغي أن يحافَظ على حرمته. وفي هذه الجملة تعريض لأهل مكة بأنهم لجهلهم يرون أن يخرجوا منها من به مزيد شرفها ويؤذوه، ويجوز أن تكون الجملة معترضة بين القسم وجوابه؛ لغرض التأكيد.
والمعنى عليه: أقسم بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد، وقال الواحدي: الحل والحلال والمُحِل معناها واحد، وهو ضد المحرم، يعني: أن مثلك على عظيم حرمته يستحل بهذا البلد ما حُرِّم على غيره، كما يستحل الصيد في غير الحرم، وذلك أن الله سبحانه أحل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح حتى قاتل، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لم تحلَّ لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلَّ لي إلا ساعة من نهار"، قال الواحدي: والمعنى: أن الله لما أقسم بمكة دل ذلك على عُظْم قدرها مع كونها حرامًا، فوعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحلها له حتى يقاتل فيها، ويفتحها على يده، وهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها حِلاًّ. انتهى.
فالمعنى: وأنت حل بهذا البلد في المستقبل، كما في قوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ