[41]

لعلمه بالمبدأ والمعاد، فإن الخوف من القيام بين يديه للحساب لا بد أن يكون مسبوقًا بالعلم به تعالى، وفي بعض التفاسير: المقام؛ إما مصدر ميمي بمعنى القيام، أو اسم مكان بمعنى: موضع القيام؛ أي: المكان الذي عينه الله سبحانه لأن يقوم العباد فيه للحساب والجزاء. وقيل: المقام: مقحم للتأكيد، جعل الخوف مقابلًا للطغيان مع أن الظاهر مقابلته للانقياد والإطاعة بناءً على أن الخوف أول أسباب الإطاعة، ثم الرجاء، ثم المحبة، فالأول: للعوام، والثاني: للخواص، والثالث: لخواص الخواص.

{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}؛ أي: زجرها عن الميل إلى المعاصي والمحارم التي تشتهيها بحكم الجبلة البشرية، ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها، ولم يغتر بزخارفها وزينتها علمًا منه بوخامة عاقبتها، و {الْهَوَى}: ميلان النفس إلى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع وفي الحديث: "إن أخوف ما أتخوف على أمتي الهوى، وطول الأمل"؛ أما الهوى .. فيصد عن الحق، وأما طول الأمل .. فينسي الآخرة.

41 - {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} ونعيمها {هِيَ} لا غيرها {الْمَأْوَى} له؛ أي: المنزل الذي ينزله، والمكان الذي يأوي إليه، فنهي (?) النفس عن الهوى معناه: نهيها عن جميع الهوى على أن اللام للاستغراق، وإلا فلا معنى للحصر؛ لأن المؤمن الفاسق قد يدخل النار أولًا، ثم يدخل الجنة، فلا يصح في حقه الحصر، اللهم إلا أن يقال: معنى الحصر: أن الجنة هي المقام الذي لا يخرج عنه من دخل فيه.

وفي بعض التفاسير: المراد بالجنة: مطلق دار الثواب، فلا يخالف قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} فإن له جنتين بفضل الله تعالى في دار الثواب جنة النعيم بالنعم الجسمانية، وجنة التلذذ باللذات الروحانية. انتهى.

والمعنى (?): أي أما من حذر وقوفه بين يدي ربه يوم القيامة، وأدرك مقدار عظمته وقهره وغلبة جبروته وسطوته، وجنب نفسه عن الوقوع في محارمه .. فالجنة مثواه وقراره، وقد ذكر سبحانه من أوصاف السعداء شيئين يضادان أوصاف الأشقياء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015