فلأنه في صورة العرض لا في صورة الأمر صريحًا، وليس فيه أيضًا ذكر نحو الشرك، والجهل والكفران من متعلقات التزكي، وأما اشتماله على بعض التفصيل فظاهر.
وحاصل معنى الآيات: أي ألم يبلغك يا محمد حديث موسى مع فرعون وقومه، وقد أمره الله تعالى بالتلطف في القول، واللين في الدعوة إلى الحق؛ إقامة للحجة والوصول من أقرب محجة، كما جاء في سورة طه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} وكان ذلك حين ناداه ربه بالوادي المطهر المبارك من طور سيناء من برية الشام بعد مضي وقت من الليل، فقال له: اذهب إلى فرعون وعظه، فإنه تجاوز الحد، وتكبر على الله، وكفر به، وتجبر على بني إسرائيل، واستعبدهم حتى بلغ من أمره أن ذبح أبناءهم، واستحيى نساءهم، ثم طلب إلى موسى أن يلين له القول؛ ليكون ذلك أنجع في الدعوى، فقال: فقل له هل ترغب إلن أن تطهر نفسك من الآثام التي انغمست فيها، وتعمل بما أدلك عليه من طرق الخير، وتبعد عما أنت فيه من اجتراح السيئات، وتخشى عاقبة مخالفة أمر ربك، حتى تأمن من عقابه إذا أديت ما ألزمك به من فرائضه، واجتنبت مما نهاك عنه من معاصيه.
20 - ثم ذكر أنه لم يخضع للدليل والبرهان، ولم يقنع بما أدلى إليه موسى من حجة، فاضطر إلى أن يظر له دليلًا يراه ويشاهده، فقال: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)} الفاء عاطفة على جمل قد طويت هنا تعويلًا على ذكرها في السور الأخرى، فإنه جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات إلى أن قال: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، والتقدير: أي: فذهب موسى إلى فرعون بأمره تعالى، فدعاه إلى التوحيد والطاعة، وطلب فرعون منه المعجزة الدالة على صدقه في دعوته، فأراه موسى الآية الكبرى، والمعجزة العظمى، والإراءة: إما من التبصير، أو من التعريف، فإن اللعين حين أبصرها .. عرفها، وادعاء سحريتها إنما كان إراءة منه، وإظهارًا للتجلد، ونسبتها إلى موسى بالنظر إلى الظاهر، كما أن نسبتها إلى نون العظمة في قوله: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا} بالنظر إلى الحقيقة، والمراد بـ {الْآيَةَ الْكُبْرَى}: قلب العصا حية، والصغرى: غيره من معجزاته الباقية، وذلك أن