سبحانه لما بين (?) أنه قادر على نشر الأموات، كما قدر على خلق الأكوان .. بين صدق ما أوحى به إلى نبيه من أن ذلك اليوم الذي فيه يقوم الناس لرب العالمين كائن لا بد منه، فإذا جاءت طامته الكبرى التي تفوق كل طامة، حين تعرض الأعمال على العالمين، فيتذكر كل امرىء ما عمل، ويظهر الله الجحيم، وهي دار العذاب للعيان، فيراها كل ذي بصر، وفي ذلك اليوم يوزع الجزاء على العالمين؛ فأما من جاوز الحدود التي حدها الله سبحانه في شرائعه، وفضل لذائذ الدنيا على ثواب الآخرة .. فدار العذاب مستقره ومأواه، وأما من خاف مقامه بين يدي ربه في ذلك اليوم، وزجر نفسه عن هواها، فلم يجر وراء شهواتها .. فالجنة منزله ومأواه، جزاء ما قدمت يداه.
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ...} الآيات، مناسبتا لما قبلها: أنه لما كان المشركون يسألون الرسول عنادًا واستهزاءً عن الساعة، ويطلبون إليه أن يعجل بها، كما يرشد إلى ذلك: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا}، وربما سألوه عن تحديد وقتها، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يردد في نفسه ما يقولون، ويتمنى لو أمكن أن يجيب عما يسألون، كما هو شأن الحريص على الهداية المجد في الإقناع .. نهاه الله سبحانه وتعالى عن تمني ما لا يرجى، وأبان له أنه لا حاجة لك إلى ذلك، فإن علمها عند ربك، وإنما شأنك أن تنذر من يخافا فتنبهه من غفلته، حتى يستعد لما يلقاه حينئذٍ.
أما هؤلاء المعاندون: فدعهم في غوايتهم، ولا تشغل نفسك بالجواب عما يسألون، فإذا جاء هذا اليوم .. خيل إليهم أنهم لم يلبثوا من يوم خلقوا إلى يوم البعث إلا طرفًا من نهار أوله أو آخره، ولم يلبثوا نهارًا كاملًا لمفاجأتها لهم على غير استعداد لوقوعها.
أسباب النزول
قوله تعالى: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ...} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (?) سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال: لما نزل قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ