بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي جعل القرآن منهلًا عذبًا للورود والصدور، وأنزله موعظةً وشفاءً لما في الصدور، جمع فيه علوم الأولين والآخرين، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، والصلاة والسلام على من أوحي إليه ذلك القرآن، من لوح الوجوب والأمر والشأن، سيدنا محمد الذي أجرى من مسجله ما يحاكي السلسبيل والرحيق، وأفحم ببلاغته كل متكلم منطيق، وفسر الآيات في الأنفس والآفاق على مراد الله سبحان الملك الخلاق، وعلى آله وصحبه المقتبسين من مشكاة أنواره، المغترفين من بحار أسراره، ومن تبعهم بإحسان ممن تخلق بالقرآن في كل زمان.

أما بعد: فيقول العبد المعترف بذنبه وخطئه، المنادي لربه في عفوه وعطائه: إني لما فرغت من تفسير الجزء التاسع والعشرين من القرآن الكريم .. عزمت إن شاء الله تعالى على الشروع في تفسير الجزء الثلاثين، وإن كان علم التفسير لا يقحم في معاركه كل ذمير، وإن كان أسدًا، ولا يحمل لواءه كل أمير، وإن مات حسدًا، وذلك أظهر من أن يورد عليه دليل، كالنيرين لغير كليل، ومع خطر ذاك فالأمد قصير، وفي العبد تقصير، وكم ترى من نحرير كامل في التحرير والتقرير، قد أصابه سهم القضاء قبل بلوغ الأمل، وذلك بحلول ريب المنون والأجل، أو بتطاول يد الزمان، فإن الدنيا لا تصفو لشاربٍ وإن كانت ماء الحيوان، وأي وجود لا ينسج عليه عناكب الآفات والعاهات، وأي نعيم لا يكدره الدهر هيهات هيهات.

اللهم كما عودتني في الأول خيرًا كثيرًا، فيسر لي الأمر في الآخر تيسيرًا، واجعل رقيمي هذا سببًا لبياض الوجه، كما تبيض وجوه أولئك، وامح مسودات أعمالي بحق كتابك الكريم، واجعل قراري في جنات النعيم، ولم أكن بدعائك رب شقيًا، بكرة وعشيًا، ما دمت حيًا، فلك الحمد يا إلهي في الأولى والأخرى، على عنايتك الكبرى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وأقول مستمدًا من الله سبحانه التوفيق والهداية لأقوم الطريق:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015