البالغة، والحجة الدامغة. وهذا (?) بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على أساس العلم والحكمة؛ أي: إنه تعالى مبالغ في العلم والحكمة، فيفعل ما يستأهله كل أحد، فلا يشأ لهم إلا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته.
31 - {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} فيهديه ويوفّقه للطاعة بحسب استعداده. وهذا بيان لأحكام مشيئته المرتبة على علمه وحكمته؛ أي: يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها، وهو الذي يصرّف مشيئته نحو اتخاذ السبيل إليه تعالى حيث يوفقه لما يؤدي إلى دخول الجنة من الإيمان والطاعة.
{وَالظَّالِمِينَ} وهم الذين صرفوا مشيئتهم إلى خلاف ما ذكر؛ أي: والذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فماتوا على شركهم {أَعَدَّ لَهُمْ}؛ أي: هيّأ لهم في الآخرة {عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: متناهيًا غاية الإيلام؛ أي: عذابًا مؤلمًا موجعًا، هو عذاب جهنم وبئس المصير.
قال الزجاج: نصب {الظالمين} لأنّ ما قبله منصوب؛ أي: يدخل من يشاء في رحمته ويعذّب الظالمين، ويكون {أَعَدَّ لَهُمْ} تفسيرًا لهذا المضمر. وختم (?) الله سبحانه السورة بالعذاب المعدّ يوم البعث والحشر ففيه حسن الاختتام لموافقته الابتداء على ما لا يخفى على أهل العقل والفهم.
وقرأ الجمهور (?): {وَالظَّالِمِينَ} نصبًا بإضمار فعل يفسّره قوله: {أَعَدَّ لَهُمْ} تقديره: ويعذّب الظالمين، وهو من باب الاشتغال عطف جملة فعلية على جملة فعلية. وقرأ ابن الزبير، وأبان بن عثمان، وابن أبي عبلة {والظالمون} عطف جملة اسمية على فعلية، وهو جائز حسن. وقرأ عبد الله {وللظالمين} بلام الجرّ، وهو متعلق بـ {أعدّ} لهم توكيدًا، ولا يجوز أن يكون من باب الاشتغال، ويقدّر فعل يفسره الفعل الذي بعده، فيكون التقدير: وأعدّ للظالمين، وأعدَّ لهم. وهذا مذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف مذكور في النحو، فتقول: يزيد مررت به، ويكون التقدير: مررت يزيد مررت به، ويكون من باب الاشتغال، والمحفوظ المعروف عن العرب نصب الاسم وتفسير مررت المتأخّر، وما أشبهه من جهة المعنى فعلًا ماضيًا.