فيدهنوا} بدون نون، والنصب على جواب التمنّي المفهوم من {وَدُّوا}.

وقال بعضهم: المعنى (?): لا توافقهم في الظاهر كما لا توافقهم في الباطن. قال: موافقة الظاهر أثر موافقة الباطن وكذا المخالفة، وإلا كان نفاقًا سريع الزوال ومصانعة وشيكة الانقضاء، وأما هم فلانهماكهم في الرذائل وتعمقهم في التلون والاختلاف لتشعب أهوائهم، وتفرق أمانيهم يصانعون، ويضمون تلك الرذيلة إلى رذيلتهم طمعًا في مداهنتك معهم، ومصانعتك إيّاهم. قال بعضهم (?): المداهنة يبيع الدين بالدنيا فهي من السيئات، والمداراة يبيع الدنيا بالدين فهي من الحسنات. ويقال: الإدهان: الملاينة لمن لا ينبغي له ذلك، وهو لا ينافي الأمر بالمداراة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت بمداراة الناس كما أمرت بالتبليغ". وفرّق الإمام الغزالي بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء. فإن أغضيت لسلامة دينك، ولِمَا ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنا لنبشّ في وجوه أقوامٍ وإنّ قلوبنا لتلعنهم. وهذا معنى المداراة، وهو مع من يخاف شره.

ومعنى الآية: {فَلَا تُطِعِ اَلمكَذِبِينَ (8)}؛ أي: دم على ما أنت عليه من عدم طاعة المكذّبين عامّةً، وتشدد في ذلك. وفي هذا النهي إيماء إلى النهي عن مداراتهم، ومداهنتهم استجلابًا لقلوبهم وجذبًا لهم إلى اتباعه. {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)}؛ أي: ودَّ المشركون لو تلين لهم في دينك بالركون إلى آلهتهم فيلينون لك في عبادة إلهك. روى: أنَّ رؤساء مكة دعوه إلى دين آبائه، فنهاه عن طاعتهم.

وخلاصة ذلك (?): ودّوا لو تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلون مثل ذلك، ويتركون بعض ما لا ترضى، فتلين لم ويلينون لك، وترك بعض الدين أو كله كفر بواح. والمراد من هذا النهي التهييج والتشدّد في المخالفة، والتصميم على معاداتهم. ونحو الآية قوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015