يسكنها أحد، وثمانون فيها يأجوج ومأجوج، وعشرون فيها سائر الخلق. وعن قتادة أنه قال عن الدنيا: إنّ بسيطتها من حيث يحيط بها البحر المحيط: أربعة وعشرون ألف فرسخٍ، فملك السودان منها: اثنا عشر ألف فرسخ، وملك الروم: ثمانية آلاف فرسخ، وملك العجم والترك: ثلاثة آلاف فرسخ، وملك العرب: ألف فرسخ. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس، والله أعلم بحقيقتها وقدرها.
والفاء في قوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور، والأمر للإباحة عند بعض أي: فاسلكوا في جوانبها، وخبر في صورة الأمر عند آخرين؛ أي: تمشون في أطرافها. قال مجاهد والكلبيّ ومقاتل: مناكبها: طرقها وأطرافها وجوانبها، وقال قتادة وشهر بن حوشب مناكبها: جبالها، وأصل المنكب: الجانب، ومنه منكب الرجل وهو مجتمع ما بين العضد والكتف، ومنه استعير للأرض هنا؛ يعني أن الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم أنّ الله سبحانه جعلها لكم ذلولًا لانتفاعكم بها، وأردتم بيان كيفية الانتفاع بها .. فأقول لكم: فامشوا في نواحيها وأطرافها، والتمسوا من نعم الله فيها من الحبوب والفواكه ونحوها. {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} سبحانه؛ أي: وكلوا مما خلقه الله رزقًا لكم. والأمر فيه إن كان أمر إباحة فالرزق ما يكون حلالًا، وإن كان خبرًا في صورة الأمر بمعنى (تأكلون) .. فيجوز أن يكون شاملًا للحرام أيضًا؛ فإنه من رزقه أيضًا وإن كان التناول منه حرامًا؛ لأنّ الرزق عند أهل السنة ما ينتفع به ولو محرّمًا كما قال أحمد بن رسلان في زبده:
يَرْزُقُ مَنْ شَاءَ وَمَنْ شَا أَحْرَمَا ... وَالرِّزْقُ مَا يُنْفَعُ وَلَوْ مُحَرَّمًا
{وَإِلَيْهِ} أي: وإلى الله وحده لا إلى غيره {النُّشُورُ}؛ أي: المرجع بعد البعث، فبالغوا في شكر نعمه، فيسألكم عن شكر هذه النعمة عليكم، وفي هذا وعيد شديد.
والمعنى (?): أنّ ربكم هو الذي سخر لكم الأرض وذللها لكم، فجعلها قارة