من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الآلام، وتصغر في جنبه لذائذ الدنيا؛ وهو الجنة ونعيمها.
ومعنى الآية (?): أنّ الذين يخافون مقام ربهم فيما بينهم وبينه إذا كانوا غائبين عن أعين الناس، فيكفون أنفسهم عن المعاصي، ويقومون بطاعته حيث لا يراهم إلا هو، مراقبين له في السر والعلن، واضعين نصب أعينهم ما جاء في الحديث الشريف "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" يكفر عنهم ما ألموا به من الذنوب والآثام، ويجزيهم جزيل الثواب، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، كفاء ما أسلفوا في الأيام الخالية، وقد ورد في الحديث: "سبعةٌ يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
13 - ثم نبه إلى أنه مطلع على السرائر، فقال سبحانه: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الإسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه.
والمعنى: إنْ أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكل ذلك يعلمه الله سبحانه؛ لا تخفى عليه خافية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء في شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيظهر الله رسوله عليها، فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم كيلا يسمع رب محمد فيخبره بما تقولون، فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا فإن الله يعلمه، وإسرار الأقوال وإعلانها مستويان عنده تعالى في تعلق علمه، والأمر للتهديد لا للتكليف، وتقديم (?) السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرون من أول الأمر والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات، كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية، فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كلّ شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، أو لأنَّ مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر؛ إذ ما