هابطين كالحبّ إذا كان الماء يغلي به لا قرار لهم أصلًا، والفور: شدّة الغليان كما سيأتي، ويقال ذلك في النار وفي القدر، ومنه: قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ترَكْتُمْ قِدْركُمْ لَا شَيءَ فِيْهِ ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةَ تَفَوْرُ
قال بعضهم: نطقتِ الآيةُ بأنَّ سماعهم يكون وقتَ الإلقاء؛ على ما هو المفهوم من {إذا}، وعلى المفهوم من قوله تعالى: {وَهِيَ تَفُورُ} أن يكون بعده اللهم إلا أن تغلي بما فيها كائنًا ما كان، ويؤول {إِذَا أُلْقُوا} بـ إذا أريد الإلقاء أو إذا قربوا من الإلقاء بناءً على أنّ صوت الشهيق يقتضي أن يسمع قبل الإلقاء انتهى.
8 - وجملة قوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} خبرٌ آخر لـ (هي). {تَمَيَّزُ} أصله: تتميز: بتاءَين. والتميز: الانقطاع والانفصال بين المتشابهات. والغيظ: أشد الغضب.
والمعنى: تكاد جهنم تتفرّق وتنقطع من شدّة الغضب عليهم؛ أي: يقرب أن يتمزق تركيبها، وينفصل بعضها عن بعض. شبّه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم. ايصال الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه، فاستعير اسم الغيظ لذلك الاشتعال استعارة تصريحيَّة. قال الإِمام: لعل سبب هذا المجاز أنّ دم القلب يغلي عند الغضب، فيعظم مقداره، فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزّق.
وقرأ الجمهور (?): {تَمَيَّزُ} بتاء واحدة مخففة، والأصل: تتميز بتاءين، وقرأ طلحة {تتميّز} بتاءين على الأصل وقرأ البزّيُّ عن ابن كثير بتشديدها، بإدغام إحدى التاءين في الأخرى، وقرأ أبو عمرو بإدغام الدال في التاء، وقرأ الضحاك {تمايز} على وزن تفاعل، وأصله: تتمايز بتاءين. وقرأ زبد بن على، وابن أبي عبلة (تَمِيْزُ) من مازَ مِنَ الغيظِ يَمِيْزُ من باب باعَ جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر:
فِي كَلْبٍ يَشْتَدُّ فِي جَرْيِهِ ... يَكَادُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إِهَابِهِ