وحاصل معنى الآية (?): لا ترى أيها الرائي تفاوتًا وعدم تناسب؛ فلا يتجاوز شيء منه الحد الذي يجب له زيادة أو نقصًا على نحو ما قيل:
تَنَاسَبَتِ الأعْضَاءُ فِيهِ فَلَا تَرَى ... بِهِنَّ اخْتِلافًا بَلْ أَتَيْنَ على قَدْرِ
فإن كنت في ريب من هذا فأرجع البصر والنظر حتى تتضح لك الحال، ولا يبقى لك شبهة في تحقق ذلك التناسب والسلامة من الاختلاف والشقوق بينها، وإنّما قال: {فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} دون أن يقول: (ما ترى فيها) تعظيمًا لخلقهن وتنبيهًا إلى سبب سلامتهن من التفاوت بأنهن من خلق الرحمن، وأنه خلقهن بباهر قدرته وواسع رحمته تفضلًا منه وإحسانًا، وأنَّ هذه الرحمة عامة في هذه العوالم جميعًا كما مرَّ آنفًا.
4 - ثم أمره بتكرير البصر في خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع هل يجد فيه عيبًا وخللًا؟ فقال: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} والنظر إلى السماء {كَرَّتَيْنِ} أي: رجعتين أخريين وأعد النظر مرة بعد مرة في طلب الخلل والعيب فيها.
والمراد بالتثنية (?): التكرير والتكثير كما في (لبّيك وسعديك) يعني: إجابات كثيرة وإعانات وفيرة بعضها في إثر بعض؛ وذلك لأنَّ الكلال الآتي لا يقع بالمرّتين، أي: رجعةً بعد رجعةٍ وإن كثرت، وانتصاب {كَرَّتَيْنِ} على المصدر، قال الحسن: لو كررته مرة بعد مرة إلى يوم القيامة لم تر فيه فطورًا، وقال الواسطي: {كَرَّتَيْنِ}؛ أي: قلبًا وبصرًا؛ لأنَّ الأول كان بالعين خاصة. ووجه (?) الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى، ولا في الثانية، ولهذا قال أوّلًا؛ {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} ثمّ قال ثانيًا: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} ثم قال ثالثًا: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}؛ فيكون ذلك أبلغ في إفادة الحجة وأقطع للمعذرة.
{يَنْقَلِبْ} وينصرف ويرجع {إِلَيْكَ} أيها الرائي {الْبَصَرُ خَاسِئًا} أي: ذليلًا صاغرًا بعيدًا محرومًا من إصابة شيء مما التمسه من العيب والخلل؛ كأنه يطرد عن