تعالى باعتبار تعاليه عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله، يعني: أنّ البركة تتضمن معنى الزيادة، وهي تقتضي التعالي عن الغير، كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: في ذاته لوجوب وجوده، وفي صفاته وأفعاله لكماله فيهما. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تخلقوا بأخلاق الله" فباعتبار اللوازم وبقدر الاستعداد، لا باعتبار الحقيقة والكنه؛ فإن الاتصاف بها بهذا الاعتبار مخصوص بالله تعالى، فأين إحياء عيسى عليه السلام الأموات من إحياء الله تعالى؟ فإنّه من الله بدعائه؛ فالمعجزة استجابة مثل هذا الدعاء ومظهريته له بقدر استعداده، وبهذا التقرير ظهر معنى قول بعض المفسرين: تزايد في ذاته؛ فإن التزايد في ذاته لا يكون إلا باعتبار تعاليه بوجوده الواجب، وتنزهه عن الفناء والتغير.
وصيغة {تَبَارَكَ} بالدلالة على غاية الكمال وإنبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها في غيره تعالى، ولا استعمال غيرها من الصيغ في حقه تبارك وتعالى. وإسنادها إلى الموصول للاستدلال بما في حيز الصلة على تحقق مضمونها. والموصولات معارف، ولا شك أن المؤمنين يعرفونه يكون الملك بيده، وأما غيرهم ... فهم في حكم العارفين؛ لأنّ الأدلة القطعية لما دلت على ذلك كان في قوة المعلوم عند العاقل.
وقال الحسن: {تَبَارَكَ} تقدس، وصيغة التفاعل للمبالغة، واليد مجاز عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل؛ لما أن أثرها يظهر في الأغلب من اليد، يقال: فلان بيده الأمر والنهي والحل والعقد.
والمعنى: أي تقدس الذي له القدرة الغالبة والتصرف العام والحكم النافذ.
وفي "عين المعاني": واليد صلةٌ. انتهى. والباء بمعنى اللام؛ أي: تبارك الذي له الملك.
والمذهب الأسلم الذي عليه السلف ونلقى عليه الرب: أن اليد صفة ثابتة له تعالى بلا تأويل ولا تكيف ولا تمثيل، نثبتها ونعتقدها بلا تمثيل ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. والملك بمعنى التصرف والسلطنة كما مر. واللام فيه للاستغراق، والمعنى: تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتًا وصفةً وفعلًا الذي بقبضة يده التصرف الكليّ في كل الأمور لا بقبضة غيره، فيأمر وينهى، ويعطي ويمنع، ويحيي