التي عملتموها في الدنيا، فلا تطلبوا المعاذير منها.
والخلاصة: أن هذه الدار دار جزاء لا دار عمل، وأنتم قد دسيتم أنفسكم في الدنيا بالكفر والمعاصي بعد أن نهيتم عنها، فاجنوا ثمر ما غرستم واشربوا من الكأس التي قد ملأتم.
8 - وبعد أن ذكر أن التوبة في هذا اليوم لا تجدي نفعًا .. نبه عباده المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة النصوح، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {تُوبُوا} وارجعوا من فعل المعاصي {إِلَى} طاعة {اللَّهِ} سبحانه وتعالى {تَوْبَةً نَصُوحًا} أي: رجوعًا خالصًا من جميع الشوائب المفسدة للتوبة من قولهم: عسل ناصح؛ أي: خالص من السمع، أو من النصاحة وهي الخياطة؛ أي: قد أحكمها وأوثقها ما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه. والنصح: تحري قول أو فعل فيه صلاح صاحبه، والنصوح فعول، من أبنية المبالغة، كقولهم: رجل صبور وشكور؛ أي: توبة بالغة في النصح لصاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو وصف التائبين، وهو: أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة، فيأتوا بها على طريقتها وشروطها، وذلك بأن يتوبوا من القبائح لقبحها، نادمين عليها، مغتمين أشو الاغتمام لارتكابها، عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلا أن يعود اللبن في الضرع، وكذا لو حزوا بالسيف وأحرقوا بالنار، موطنين أنفسهم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلًا.
وقرأ زيد بن علي (?): {توبًا} بغير تاء. وقرأ الجمهور: {نَّصُوحًا} بفتح النون وصفًا لتوبة. وقرأ الحسن، والأعرج، وعيسى، وأبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع بضمها، وهو مصدر وصف به، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز؛ إذ النصح صفة للتائب، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة فيأتي بها على طيقها، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها. ويجوز أن يكون بالضم، جمع ناصح. قال المبرد: أراد توبة ذا نصح.