اجتماع تثنيتين، فعدلوا إلى الجمع؛ لأن التنثية جمع في المعنى، والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر، كقوله:
حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِيْ
يريد: بطني. وغلط ابن مالك فقال في "التسهيل": ونختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية.
{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} قرأ الجمهور (?): {تَظَاهَرَا} بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، أصله: تتظاهرا. وقرأ عكرمة: {تتظاهرا} على الأصل. وقرأ أبو رجاء، والحسن، وطلحة، وعاصم، ونافع في رواية عنهما {تظّهّرا} بشد الظاء والهاء بدون ألف. وهو تفاعل، من الظَهْر؛ لأنه أقوى الأعضاء؛ أي: فإن تتعاونا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره. وكانت كل منكما ظهرًا لصاحبتها فيه، وجواب الشرط محذوف، كما أشرنا إليه سابقًا، تقديره: فلن يعدم هو؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - من يظاهره. و {الفاء}: في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} لتعليل ذلك الجواب المحذوف، والتقدير: وإن تظاهرا وتعاونا على إفشاء سره - صلى الله عليه وسلم - وإظهار ما يكرهه .. فلن يعدم - صلى الله عليه وسلم - من يظاهره ويعاونه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ناصره {وَجِبْرِيلُ} رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه. {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: ومن صلح من المؤمنين، أتباعه وأعوانه {وَالْمَلَائِكَةُ} مع تكاثر عددهم وامتلاء السماوات من جموعهم {بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: بعد نصرة الله، وناموسه الأعظم، وصالح المؤمنين. وفيه تعظيم لنصرتهم؛ لأنها من الخوارق كما وقعت في بدر، ولا يلزم منه أفضلية الملائكة على البشر. {ظَهِيرٌ}؛ أي: فوج مظاهر له معين، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على مَنْ هؤلاء ظهراءه وأعوانه؟ وقوله: {هُوَ} مبتدأ، جيء به لتقوية الحكم لا للحصر، وإلا لانحصرت الولاية له - صلى الله عليه وسلم - في الله تعالى، فلا يصح عطف ما بعده عليه. {وَجِبْرِيلُ}: عطف على موضع اسم إن بعد استكمالها خبرها، وكذا قوله: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}. إليه مال السجاوندي؛ إذ وضع علامة الوقف على المؤمنين.