وكذلك مريم ابنة عمران التي عفت فآتاها الله سبحانه الشرف والكرامة وأنجبت نبي الله عيسى، وصدقت بجميع شرائعه وكتبه، وكانت من العابدين القانتين.
وفي هذا المثل إيماء إلى أن قرابة المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجديهم نفعًا بعد كفرهم وعداوتهم له وللمؤمنين، فإن الكفر قد قطع العلائق بينه وبينهم، وجعلهم كالأجانب بل أبعد منهم، كحال امرأة نوح وامرأة لوط لما خانتاهما، كما تضمن التعريض بأُمَّي المؤمنين حفصة وعائشة لما فرط منهما، والتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده.
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى ...} الآيات، سبب نزول هذه الآيات: ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنة جحش ويشرب عندها عسلًا، فتواصيتُ أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: "لا بأس، شربت عسلًا عند زينب بنة جحش، ولن أعود له" فنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله: "بل شربت عسلًا". الحديث، أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصرًا ومطولًا.
وأخرج النسائي كما في "تفسير ابن كثير"، والحاكم، وقال: على شرط مسلم، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حرامًا، فأنزل الله هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ...} إلى آخر الآية.
وفي "مجمع الزوائد" عن ابن عباس قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال: نزلت هذه في سريته، رواه البزار بالإسنادين والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح غير بشر بن آدم، وهو ثقة.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين