الذي جرأهم على ما فعلوا هو الشيطان؛ فقد استولى على عقولهم وزين لهم قبيح أعمالهم، فأنساهم عذاب اليوم الآخِر. ثم ذكر أن أولئك هم جند الشيطان، وجنود الشيطان لن تفلح في شيء، وسيرد الله سبحانه عليهم كيدهم في نحورهم، ويحبط سعيهم، ويظهر نور دينه ولو كره الكافرون.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ...} إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال أولئك المنافقين الذين يحلفون كذبًا أنهم مؤمنون، ويمالئون المؤمنين طورًا واليهود طورًا آخر اكتسابًا لرضا الفريقين، ثم بين أن الذي حملهم على ذلك هو الشيطان؛ إذ غلبهم على أمرهم حتى أنساهم ذكر الله وما يجب له من تعظيم والإيمانَ باليوم الآخر، ثم حكم عليهم بأن صفقتهم خاسرة؛ لأنهم باعوا الباقي بالفاني، والزائل الذي لا دوام له بما هو دائم أبدًا سرمدًا .. بين هنا سبب خسرانهم، وهو: أنهم شاقّوا الله ورسوله، وعصوا أمرهما، فكتب عليهم الذلة في الدنيا والآخرة؛ إذ قَضى بأن العزة والغلب له ولرسله، والذلة لأعدائه. ثم ذكر أن الإيمان الحق لا يجتمع مع موالاة أعدائه، مهما قرب بهم النسب، بأن كانوا آباء أو أبناء أو إخوانًا أو من ذوي العشيرة؛ لأن المحادين كتبت عليهم الذلة، وأولئك كتبت لهم العزة، وقواهم ربهم بالطمأنينة والثبات على الإيمان، وهم جند الله وناصرو دينه، وحزب الله مفلح لا محالة، وقد كتبت لهم السعادة في الدارين، كما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}.
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (?): ما أخرجه أحمد، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في ظلّ حُجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال: "إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم .. فلا تكلموه"، فلم