الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ أي: محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: يعادونهما، ويشاقونهما، ويخالفونهما فيما أمرا به ونهيا عنه. وقال الزجاج: المحادة أن تكون في حد يخالف صاحبك وأصلها: الممانعة. ومنه الحديد، ومنه: الحداد للبواب. وفي إيراد (?) المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع ما لا غاية وراءه.
وقال بعضهم في معنى الآية: إن الذين يحادون؛ أي: يضعون أو يختارون حدودًا غير حدودهما. ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أمورًا خلاف ما حده الشرع، وسموها: القانون والنظام.
{كُبِتُوا}؛ أي: أذلوا وأخزوا. وذلك كما وقع للمشركين يوم بدر، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر والقهر. يقال: كبت الله فلانًا إذا أذله. وقال أبو عبيدة والأخفش: أهلكوا، وقال ابن زيد: عذبوا، وقاله السدي: لعنوا، وقال ابن الشيخ: يصلح لأن يكون دعاء عليهم وإخبارًا عما سيكون بالماضي لتحققه؛ أي: سيكبتون. ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جميعًا. أما الكافرون: فمحادتهم في الظاهر والباطن. وأمّا المنافقون: ففي الباطن فقط.
{كَمَا كُبِتَ} وأذل وأهلك وعذب {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من كفار الأمم الماضية المعادين المحادين للرسل عليهم الصلاة والسلام، مثل: أقوام نوح، وهود، وصالح وغيرهم. وكان السريّ - رحمه الله تعالى - يقول: عجبت من ضعيف عصى قويًا، فيقال له: كيف ذلك؟ ويقول: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
وجملة قوله: {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} حال (?) من واو {كُبِتُوا}؛ أي: كبتوا لمحادّتهم الله ورسوله، والحال أنّا قد أنزلنا آياتٍ واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم، وفيما فعلنا بهم، أو آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به.
والسؤال بأنّ الإنزال نقل الشيء من الأعلى إلى الأسفل، وهو إنما يتصور في الأجسام والآيات التي هي من الكلام من الأعراض الغير القارّة، فكيف يتصور