وإن قيل (?): إذا كان ترك الظهار مفروضًا فما بال الفقهاء يجعلونه بابًا في الفقه؟
أجيب: بأن الله تعالى، وإن أنكر الظهار وشنع على من تعوّد به من الجاهلين، إلا أنه تعالى وضع له أحكامًا يعمل بها من ابتلي به من الغافلين، فبهذا الاعتبار جعلوه بابًا ليبينوا تلك الأحكام، وزادوا قدر ما يحتاج إليه مع أن المحققين قالوا: إن أكثر الأحكام الشرعية للجهال؛ فإن الناس لو احترزوا عن سوء المقال والفعال .. لما احتيج إلى تكثير القيل والقال.
ودلّت الآية على أن الظهار أكثر خطأ من الحنث في اليمين، لكون كفارته أغلظ من كفارة الحنث. واللام في {لِتُؤْمِنُوا} للحكمة والمصلحة؛ لأنها إذا قارنت فعل الله تكون للمصلحة؛ لأنه الغني المطلق، وإذا قارنت فعل العبد تكون للغرض؛ لأنه المحتاج المطلق.
والإشارة في قوله: {وَتِلْكَ} إلى الأحكام المذكورة، وهو مبتدأ خبره {حُدُودُ اللهِ}؛ أي: وتلك الأحكام المذكورة من تحريم الظهار، وإيجاب العتق للواجد، وإيجاب الصوم لغير الواجد إن استطاع، وإيجاب الإطعام لمن لم يستطع .. حدود الله التي لا يجوز تعديها، وشرائعه الموضوعة لعباده التي لا يجوز تجاوزها إلى ما يخالفها. {وَلِلْكَافِرِينَ} الذين لا يقفون عند حدود الله، ولا يعملون بها، ولا يقبلونها {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: مؤلم موجع. والأليم: بمعنى المؤلم، كالبديع بمعنى المبدع، أو بمعنى المتألم، لكن أسند مجازًا إلى العذاب مبالغةً، كأنه في الشدة بدرجة تتألم بها نفسه. وفي إثبات العذاب للكافرين حث للمؤمنين على قبول الطاعة. وعبر عن ترك العمل بمقتضى الظهار بالكفر للتغليظ على طريقة قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}؛ يعني: أن إطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل، لا لأنه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج. قال بعضهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك الصلاة فقد كفر"؛ أي: قارب الكفر، كما يقال: دخل البلدة، لمن قاربها.