ولما كان الناس فريقين: فريقًا يقوده العلم والحكمة، وفريقًا يقوده السيف والعصا، وكان ما يزع الشيطان أكثر مما يزع القرآن، وكان العدل والقانون لا بد له من حام يحميه، وهو الدولة والملك وأعوانه والجند، وهؤلاء لا بدل لهم من عدة يحمون بها القانون والعدل في داخل البلاد، وفي خارجها أعقب بقوله: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ}؛ أي: خلقناه كما في قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}، والمعنى: أنه خلقه في المعادن، وعلم الناس صنعته واستخراجه من معدنه. وذلك أن أوامره وقضاياه وأحكامه تنزل من السماء، قاله الحسن. وأصل الحديد: ماء نزل من السماء، فتجمد في معادنه، ولذلك احتاج في صوغه إلى النار، كما أن الماء المثلج يحتاج إلى الحرارة في ذوبه. وقال بعضهم: وأخرجنا الحديد من المعادن؛ لأن العدل إنما يكون بالسياسة، والسياسة مفتقرة إلى العدة، والعدة مفتقرة إلى الحديد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام: الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من الثلج، وعصا موسى، وكانت من آس الجنة طولها عشرة أذرع، والحديد. {فِيهِ}؛ أي: في الحديد {بَأْسٌ شَدِيدٌ}؛ أي: قوة شديدة يعني: السلاح للحرب؛ لأنَّ آلات الحرب، إنما تتخذ منه. قال الزجاج: يمتنع به ويحارب.

والمعنى: أنه تتخذ منه آلة للدفع، وآلة للضرب. قال مجاهد: فيه جنة وسلاح. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}؛ أي: وفيه منافع كثيرة للنَّاس، فإنهم ينتفعون بالحديد في كثير من أمور معاشهم كالسكين، والفأس والإبرة، وآلات الزراعة والصناعة، ونحوها. فإنه ما من صنعة إلا، والحديد أو ما يعمل بالحديد آلتها كالمراكب، والبواخر، والطوائر، والسوائر. وفيه إشارة إلى أن القيام بالقسط كما يحتاج إلى القائم بالسيف يحتاج أيضًا إلى ما به قوام التعايش من الصنائع وآلات المحترقة.

وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} معطوف (?) على قوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}؛ أي: لقد أرسلنا رسلنا، وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس بالقسط، وليعلم الله .. إلخ. أو معطوف (?) على علة مقدرة يدل عليها ما قبله، فإنه حال متضمنة للتعليل كأنه قيل: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس ليستعملوه، وينتفعوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015