{(29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)}.
والخلاصة (?): أنَّ السموم تضربهم فيعطشون، وتلتهب تارةً أجشاؤهم فيشربون الماء فيقطع أمعاءهم، ويريدون الاستظلال بظل فيكون ظل اليحموم.
45 - ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها هذا العذاب. فقال: {إِنَّهُمْ}؛ أي: إن أصحاب الشمال {كَانُوا} في الدنيا {قَبْلَ ذَلِكَ}؛ أي: قبل ما ذكر من سوء العذاب النازل بهم {مُتْرَفِينَ} أي (?): منعمين بأنواع النعم من المآكل، والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، منهمكين في الشهوات. فلا جرم عذبوا بنقائضها. يقال: ترف كفرح، تنعم وأترفته النعمة أطغته وأنعمته، والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء فلا يمنع، كما في "القاموس". وهذه الجملة تعليل لما قبلها
46 - {وَكَانُوا يُصِرُّونَ} ويداومون ويواظبون {عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}؛ أي: على الذنب العظيم الذي هو الشرك. ومنه: قولهم: بلغ الغلام الحنث؛ أي: الحلم، ووقت المؤاخذة بالذنب. وحنث في يمينه خلاف برَّ فيها. وقال بعضهم: الحنث هنا: الكذب؛ لأنهم كانوا يحلفون بالله مع شركهم لا يبعث الله من يموت. يقول الفقير: يدل على هذا ما يأتي من قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)}.
والحكمة في ذكر سبب عذابهم - مع أنه لم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم، فلم يقل: إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين -: التنبيه على أن ذلك الثواب منه تعالى فضل، لا تستوجبه طاعة مطيع، وشكر شاكر، وإن العقاب منه تعالى عدل. فإذا لم يعلم سبب العقاب يظن أن هناك ظلمًا.
47 - {وَكَانُوا} مع شركهم {يَقُولُونَ} لغابة عتوّهم وعنادهم {أَئِذَا مِتْنَا} والهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف هو متعلق {إذا}، دل عليه قوله: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}؛ أي: أنبعث إذا متنا. {وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا}؛ أي: أنبعث إذا كان بعض أجزائنا من اللحم والجلد ترابًا، وبعضها عظامًا نخرة بالية. وتقديم (?) التراب