خافوا في تلك الحال فلأن يخافوا في سائر الأحوال والأوقات أولى.
يقول الفقير: الظاهر أنَّ هذا الكلام وارد على عرف الناس. فإنهم يقولون: شأننا بين قومنا وقبيلتنا كذا. فهم كانوا في الدنيا بين قبائلهم وعشائرهم على صفة الإشفاق. وفيه تعريض بأن بعض أهليهم لم يكونوا على صفتهم، ولذا صاروا محرومين. ويدلّ (?) على هذا أنّ الأهل يفسّر بالأزواج، والأولاد، وبالعبيد والإماء، وبالأقارب، وبالأصحاب، وبالمجموع. كما في "شرح المشارق لابن الملك".
أخرج البزّار عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا، فيتحدّثان، فيتكيء ذا ويتكىء ذا، فيتحدثان بما كانوا في الدنيا، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان أتدري أي يوم غفر الله لنا اليوم الذي كنّا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا، ثم فصل ما يجيب به بعضهم بعضا، فقال: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} في الدنيا، ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه.
27 - {فَمَنَّ الله} سبحانه؛ أي: تفضل وأنعم {عَلَيْنَا} بالمغفرة والرحمة، أو بالهداية والتوفيق لطاعته.
يقول الفقير: الظاهر: أنّ المنَّ والإنعامَ إنَّما هو بالجنة ونعيمها، كما دلّ عليه قوله: {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}؛ أي: (?) حفظنا من عذاب النار النافذة في المسامّ؛ أي: ثقب الجسد كالمنخر، والفم، والأذن نفوذ السموم. وهي الريح الحارّة التي تدخل المسام. فأطلق على جهنم لنفوذ حرّها في المسام كالسموم. وقرأ أبو حيوة {ووقّانا} بتشديد القاف.
روي: أنَّ عائشة قالت: لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها.
28 - ثم تمموا العلة في استحقاقهم للكرامة في تلك الدار بقولهم: {إِنَّا كُنَّا} في الدنيا {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل لقاء الله سبحانه، والمصير إليه {نَدْعُوهُ}، أي: