صامت، جهرًا كائنًا {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ} ورفعه صوته عند مكالمته {لِبَعْضٍ} آخر منكم؛ أي (?): لا تجهروا, ولا ترفعوا صوتكم عند مكالمته وهو صامت جهرًا، كالجهر البخاري فيما بينكم في عدم المبالاة، وقلة الاحترام، بل اجعلوا صوتكم أخفض، وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس والسر، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظَّم، وحافظوا على مراعاة جلالة النبوّة، فنهوا عن جهر مخصوص مقيد: وهو الجهر المماثل لجهر اعتادهوه فيما بينهم، لا عن الجهر مطلقًا، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلّموه بالهمس والمخافتة.
والمفهوم من "الكشاف" في الفرق بين النهي عن رفع الصوت، والنهي عن الجهر له: أنّ معنى النهي الأول: أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا نطق ونطقتم .. فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم فوق الحد الذي يبلغ إليه صوته - صلى الله عليه وسلم -، وأن تغضوا من أصواتكم، بحيث يكون صوته عاليًا على أصواتكم، ومعنى الثاني: أنكم إذا كلمتوه وهو - صلى الله عليه وسلم - ساكت .. فلا تبلغوا بالجهر في القول الجهر الدائر بينكم، بل ليِّنوا القول لينًا يقارب الهمس الذي يضادّ الجهر.
وفي "الشهاب على البيضاوي" (?): لمَّا رأى أن تخصيص الأول بمكالمته معهم، والثاني بسكوته خلاف الظاهر؛ لأنّ الأول نهي عن أن يكون جهرهم أقوى من جهره، كما هو صريح قوله: {فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره .. عدل عنه، فحمل الأول على النهي عن زيادة صوتهم على صوته، والثاني على مساواة صوتهم لصوته، فحصل التغاير بين النهيين بهذا الاعتبار أيضًا. اهـ من "الشهاب".
وقيل المعنى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ}؛ أي: لا تدعوه، ولا تخاطبوه باسمه وكنيته {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}؛ أي: كدعاء بعضكم لبعض باسمه، ولكن عظّموه ووقروه وشرّفوه، وقولوا له: يا نبي الله، ويا رسول الله، ويا أبا القاسم.