رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أنه إنما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله عذرهم في الكتاب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ...} الآية. أخرجه أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، وقال ابن كثير: وهذا من أحسن ما روي في سبب نزول هذه الآية.
وقال الرازي: هذه الرواية ضعيفة؛ لأن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد بعيد؛ لأنّه توهم وظن فأخطا، والمخطىء لا يسمى فاسقًا، كيف والفاسق في أكثر المواضع يراد به من خرج من ربقة الإيمان لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. اهـ.
قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ...} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حمارًا وانطلق إلى عبد الله بن أبيّ، فقال: إليك عنّي، فقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحماره أطيب ريحًا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فنزلت: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن أبي مالك قال: قال: تلاحى رجلان من المسلمين، فغضب قوم هذا لهذا، وهذا لهذا، فاقتتلوا بالأيدي والنعال، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ ...} الآية.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ...} الآية، روي: أنّ الآية نزلت في وفد تميم، إذ كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كعمار وصهيب وبلال وخبّاب وابن فهيرة، وسلمان الفارسي وسالم مولى أبي حذيفة في آخرين غيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، وروي: أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنّ النساء يقلن لي: يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها: "هلّا قلت: أبي هارون وعمي موسى، وزوجي محمد - صلى الله عليه وسلم - ".